خاص-شفقنا- المشهد المأساوي للاجئين السوريين الفارين من قلب العالم الاسلامي ، الى اوروبا ، يثير في النفس وجعا لا يوصف ، ويُشعرك بالدونية والضآلة ، ولا تملك الا ان تطأطىء رأسك الى الارض خجلا ، وتغمض عينيك حتى لا ترى نفسك بين هؤلاء الهائمين على وجوههم ، هربا من القتل والسبي والجوع والفناء.
الجثث الطافية على الماء ، وتلك التي قذفتها الامواج الى سواحل البلدان البعيدة ، والجثث المتفسخة في الشاحنات المغلقة على الطرق السريعة ، وبقايا قطع اللحم البشري وخصل الشعر المتبقية على الاسلاك الشائكة الممتدة على حدود اوروبا ، ووجوه الاطفال المرتعدة من الخوف وهم يرون كيف يضرب اباؤهم ضربا مبرحا من قبل حراس الحدود ، وجثة الصغير آيلان ، التي هزت العالم ، وهي مرمية على ساحل تركيا ، كل هذه المأساة تخبرك ان هؤلاء الناس يهربون من شيء اخطر بكثير من الموت.
مأساة اللاجئين السوريين ، جاءت لتكمل اللوحة المرعبة التي بدأت الجماعات الوهابية رسمها “للاسلام” ، في العراق وسوريا وفي العديد من بلدان منطقة الشرق الاوسط ، وبات و “واضحا” وفقا لهذه اللوحة ، ان “الاسلام” ، هو “الخطر” الذي يهرب منه الجميع ، الى احضان اوروبا “الكافرة”.
مأساة اللاجئين “المسلمين” الهاربين من “بلاد الاسلام” الى “بلاد الكفار” ، هي اكبر تهديد يواجهه “الاسلام” منذ عدة قرون ، فالمسلمون يهاجرون هذه المرة وبشكل جماعي ، وامام مراى ومسمع العالم اجمع ، الى احضان “الكفار” هربا من “الاسلام” .
لا أمن وأمان “للمسلمين” ، الا في الارتماء باحضان “الكفار” ، و”الكفار” هذه المرة “برهنوا” ، وبشكل “لا لبس فيه” على “انسانيتهم” ، ففتحوا حدودهم امام “الهاربين من الاسلام” ، خوفا من السبي والصلب والذبح والحرق وتقطيع الاوصال والدفن احياء.
“الاسلام” الذي يهرب منه “المسلمون” ، هو “الاسلام” الذي زرعته اوروبا في ارض جزيرة العرب قبل اكثر من قرن من الان ، عندما غدرت بريطانيا بالشريف حسين ، ودعمت ابن سعود ومذهبه الوهابي ، ففرضت سلطانه و مذهبه على جزيرة العرب ، ومن ثم انتقلت الوهابية الى العالم الاسلامي ، بقوة البترودولار ، والدعم البريطاني والامريكي .
في خضم الفوضى التي تعيشها منطقة الشرق الاوسط ، بسبب الفتن التي اشعلتها الجماعات الوهابية من امثال القاعدة و “داعش” و”جبهة النصرة” و “انصار الشريعة” و “بوكو حرام” و “جند الله” و “طالبان” و “جيش الصحابة” و… والتي ترفع جميعها “لواء الاسلام” و الدعوة الى تطبيق “الشريعة الاسلامية” ، فات المسلمون ان الوهابية التي يهربون منها الى احضان اوروبا ، هي صناعة اوروبية بامتياز ، وسلاح فتاك يستخدمه الاوروبي ، ضد المسلمين ، كما استخدم الصهيونية ضدهم ، فلولا الاوروبي ، لما كان بامكان الوهابية ان تسيطر على جزيرة العرب ، وان تتمدد في البلدان الاسلامية ، حتى وصل الامر بالمجتمعات الاسلامية الى ما وصلت اليه الان .
الغرب كان يرى في الاسلام المحمدي الاصيل ، سدا منيعا امام اطماعه في العالم الاسلامي ، فكان لابد من صناعة “اسلام مزيف” يمكن من خلاله ضرب الاسلام وشل المسلمين ، فكان هذا المنتج هو الوهابية ، “السرطان” الذي قدمه الغرب على انه “الاسلام” الصحيح.
من الوهابية خرجت “القاعدة” ، وهي السلاح الذي حارب به الغرب ، الاتحاد السوفيتي ، ومن الوهابية خرجت “داعش” ، وهي السلاح الذي شوه به الغرب ، الاسلام ، ومن هذا “الاسلام الداعشي” يهرب المسلمون الى احضان من صنع “داعش” ، وبذلك يكون الغرب قد نجح في تشويه صورة الاسلام ، حتى لدى المسلمين انفسهم ، وان يظهر هو بمظهر المخلص “للمسلمين” من “الاسلام”.
ان على المسلمين اليوم ، وخاصة السوريين الذين فروا الى اوروبا ، ان يعلموا ان الوهابية لا تمثل الاسلام فحسب ، بل هي صنو الصهيونية ، وان ممارسات “داعش” هي ممارسات صهيونية بكل تفاصيلها ، وهو ما يفسر عدم جدية الغرب في محاربة “داعش” ، فوجود هذه الاخيرة يصب في صالح الغرب والصهيونية ، ويمكن تلمس هذه الحقيقة من خلال معاداة الغرب لكل من يعادي “داعش” بجد في المنطقة ، وهو ذات الموقف الذي وقفه الغرب من الوهابية في بداية انتشارها في جزيرة العرب ، حيث دعم وايد هذا الانتشار ، وهذا التأييد القوي ل”مذهب ديني” من قبل “الانكليز” ، يعنى ان هذا المذهب لا محالة معاد للاسلام.
بقلم: منيب السائح
انتهى