الخطاب..والخطاب الشرعي الديني
- التعريف اللغوي
معنى خطب في تاج العروس
الخَطْبُ : الشَّأْنُ ومَا خَطبُكَ ؟ أَي مَا شَأْنُك الذي تَخطُبُه وهو مجاز كما في الأَساس . والخَطْب : الحالُ والأَمْرُ صَغُرَ أَوْ عَظُمَ وقِيل : هو سَبَبُ الأَمْرِ يقال : مَا خَطْبُكَ ؟ أَي مَا أمْرُكَ وتقول : هذا خَطْبٌ جَلِيل وخَطْبٌ يَسِيرٌ والخَطْبُ : الأَمْرُ الذي يَقَعُ فيه المُخَاطَبَةُ وجَلَّ الخَطْبُ أَي عَظُمَ الأَمْرُ والشَّأْن وفي حديث عُمَرَ " وقد أَفطَروا في يَوْم غَيْمٍ في رَمَضَانَ فقَالَ : الخَطْبُ يَسِيرٌ " وفي التنزيل العزيز : " قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا المُرْسَلُونَ ج خُطُوبٌ ومن المجاز : هُوَ يُقَاسِي خُطُوبَ الدَّهْرِ...والخُطْبَةُ عِنْدَ العَرَبِ : الكَلاَمُ المَنْثُورُ المُسَجَّعُ ونَحْوُهُ .
والخِطَابُ والمُخَاطَبَةُ : مُرَاجَعَةُ الكَلاَمِ وقَدْ خَاطَبَهُ بالكَلاَم مُخَاطَبَةً وخِطَاباً وهُمَا يَتَخَاطَبَانِ قال الله تعالى : " وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا " .
وقال ابن منظور في لسان العرب الخَطْبُ الشَّأْنُ أَو الأَمْرُ صَغُر أَو عَظُم وقيل هو سَبَبُ الأَمْر يقال ما خَطْبُك ؟ أَي ما أَمرُكَ ؟ .
خَاطَبَهُ مُخَاطَبَة، وخِطاباً: كالَمَه وحادثه. وـ وجَّه إليه كلاماً. ويقال: خاطبه في الأمر: حَدَّثه بشأنه. فالخطاب هو كلام موجه من متكلم الى مخاطب به والمخاطبة مراجعة الكلام بين متحاورين او طالب يطلب من مخاطب طلبا....
فالخطاب هو نص كلامي موجه الى مخاطب يقصد المتكلم منه ايصال صورة ذهنية الى المخاطب..فالتخاطب عملية لها اركان تلزم لتحديد مقصد المتكلم من خطابة وتشمل هذه العملية وجود متكلم يخاطب ووجود مخاطب يتلقى ووجود نص وهو الخطاب ولغة يصاغ بها الخطاب وادراك لما يحيط بالخطاب من احوال...
وقد عرف الاصوليون الحكم الشرعي بقولهم انه خطاب الشارع الحكيم المتعلق بافعال العباد.
فهو نص موحى به جاء ليستنبط منه او يصرح بحكم شرعي الهي ولا يكون شرعيا الا اذا كان وحيا من الله تعالى، ويسمى الخطاب الديني من باب اننا ندين لله به سمعا وطاعة لامره وانتهاءا عند نهيه.
وهنا نقف عند من ينادي بتجديد الخطاب الديني او تغيره او تحديثه..فان قصدوا اساليب الكلام فهي جمة متعددة وكما يقولون من قبل فان لكل مقام مقال..وان كان تغيرا للنصوص فانه لا احد يملك تغيير النص المقدس الا من أوحى به لنبيه..والوحي انقطع والنبوة ختمت فالنصوص الشرعية باقية خالدة ما بفيت الدنيا.. قال تعالى :- (وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ۙ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ۚ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُل لَّوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُم بِهِ ۖ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17)يونس.
فليس لبشر ان يبدل كلام الله تعالى المحفوظ او يغيره حتى النبي سلام الله عليه كما هو واضح من النص، فوظيفة اهل العلم واهل العقل فهم النص واستيعاب مراد الله تعالى منه وتبيينه للناس وذلك من خلال فهم ظاهر الخطاب "بحسب اللسان العربي وما يقتضيه، أي بحسب المقاصد الاستعمالية التي تقضي العوائد بالقصد إليها وحسب فنون واساليب الخطاب في اللسان العربي، وإن كان أصل الوضع على خلاف ذلك.ليتم فقه مراد الشارع من الخطاب، باعتبار أن الشارع بالرغم من تعبيره عن مقاصده بواسطة الأساليب الاستعمالية العربية، فإن له أساليب استعمالية شرعية أخرى يعبر بها عن مراده، لا بد من الإلمام بها ليحصل فقه مراد الشارع من خطابه. ثم تنزيله على الواقع. ولا يفهم القران والسنة الا بلسان الشريعة والقران والدين لسان العرب وهذا ما يقرره الامام الشاطبي رحمه الله حيث يقول ("أن الشريعة عربية وإذا كانت عربية فلا يفهمها حق الفهم إلا من فهم اللغة العربية حق الفهم لأنهما سيان في النمط، فإذا فرضنا مبتدئا في فهم العربية فهو مبتدئ في فهم الشريعة أو متوسطا فهو متوسط في فهم الشريعة، فإن انتهى إلى درجة الغاية في العربية كان كذلك في الشريعة…") . والشاطبي يذكرايضا أن "كل ما كان من المعاني العربية التي لا ينبني فهم القرآن إلا عليها فهو داخل تحت الظاهر" أي تحت ما يقتضيه اللسان العربي. وإذا حصل فهم ذلك كله على ترتيبه في اللسان العربي فقد حصل ظاهر القرآن" ويذكر الامام الشافعي رحمه الله في رسالته بعد أن يسوق هذه الآيات البينات: (وإنه لتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين) وقوله سبحانه: (وكذلك أنزلناه حكما عربيا) وقوله تعالى: (قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون) - يذكر أن الله سبحانه وتعالى "أقام حجته في كتابه، بأن كتابه عربي في كل آية ذكرناها، ثم أكد ذلك بأن نفى عنه جل ثناؤه كل لسان غير لسان العرب في آيتين من كتابه فقال تبارك وتعالى: (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر، لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) وقال: (ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أعجمي وعربي) ليخلص الى: "أنه لا يعلم من إيضاح جمل علم الكتابة أحد جهل معه لسان العرب وكثرة وجوهه، وجماع معانيه وتفرقها، ومن علمه انتفت عن الشبه التي دخلت على جهل لسانه". فخطابنا الشرعي مستند الى نصوص ثابتة ولغة علومها راسخة ومعانيها واضحة وما علينا الا ان نرتقي لمستوى فهمها وفهم الخطاب الشرعي الذي جاء ليعالج وقائع الحياة ويسيرها حسب مراد الله تعالى وهذه من اعجازات الكتاب العزيز ان يستمر في الوجود معجزة خالدة لا يعتريه التبديل ولا التحريف ولا العبث وسبقى خطاب الله تعالى الخالد لعباده.
وقد جعل سبحانه من اعظم المعاصي والذنوب في حياة البشرية تحريف كلام الله تعالى وتبديله سواءا كان ذلك بتحريف النصوص او تزييف المعاني، (مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱسْمَعْ وَٱنْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً)النساء46.
قال ابن عاشور :
التحريف هنا مستعمل في الميل عن سواء المعنى وصريحه إلى التأويل الباطل، كما يقال: تنكَّب عن الصراط، وعن الطريق، إذا أخطأ الصواب وصار إلى سوء الفهم أو التضليل، فهو على هذا تحريفُ مراد الله في التوراة إلى تأويلات باطلة، كما يفعل أهل الأهواء في تحريف معاني القرآن بالتأويلات الفاسدة. ويجوز أن يكون التحريف مشتقّاً من الحرف وهو الكلمة والكتابة، فيكون مراداً به تغيير كلمات التوراة وتبديلها بكلمات أخرى لتُوافِق أهواء أهل الشهوات في تأييد ما هم عليه من فاسد الأعمال. والظاهر أنّ كلا الأمرين قد ارتكبه اليهود في كتابهم. وما ينقل عن ابن عبّاس أنّ التحريف فساد التأويل ولا يعمد قوم على تغيير كتابهم، ناظرٌ إلى غالب أحوالهم، فعلى الاحتمال الأول يَكون استعمال عن في قوله: عن مواضعه مجازاً، ولا مجاوزة ولا مواضِعَ، وعلى الثاني يكون حقيقة إذ التحريف حينئذٍ نقل وإزالة.
(يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)المائدة41
وقال هنا مِن بعد مواضعه ، وفي سورة النساء (46) عَن مواضعه ، لأنّ آية سورة النّساء في وصف اليهود كلّهم وتحريفهم في التّوراة. فهو تغيير كلام التّوراة بكلام آخر عن جهل أو قصد أو خطأ في تأويل معاني التّوراة أو في ألفاظها. فكان إبعاداً للكلام عن مواضعه، أي إزالة للكلام الأصلي سواء عوّض بغيره أو لم يعوّض. وأمّا هاته الآية ففي ذكر طائفة معيّنة أبطلوا العمل بكلام ثابتٍ في التّوراة إذْ ألغوا حكم الرّجم الثّابت فيها دون تعويضه بغيره من الكلام، فهذا أشدّ جرأة من التّحريف الآخر، فكان قوله: من بعد مواضعه أبلغَ في تحريف الكلام، لأنّ لفظ (بعد) يقتضي أنّ مواضع الكلم مستقرّة وأنّه أبطل العمل بها مع بقائها قائمة في كتاب التّوراة. أ.هـ. من التحرير والتنوير.
وقد سخر الله تعالى لهذا الدين وكتابه وسنته على مر العصور من ابناء الامة عدولا ينفون عنه تحريف الغالين , وانتحال المبطلين , وتاويل الجاهلين. اللهم استخدمنا في خدمة دينك ما احييتنا يارب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
- التعريف اللغوي
معنى خطب في تاج العروس
الخَطْبُ : الشَّأْنُ ومَا خَطبُكَ ؟ أَي مَا شَأْنُك الذي تَخطُبُه وهو مجاز كما في الأَساس . والخَطْب : الحالُ والأَمْرُ صَغُرَ أَوْ عَظُمَ وقِيل : هو سَبَبُ الأَمْرِ يقال : مَا خَطْبُكَ ؟ أَي مَا أمْرُكَ وتقول : هذا خَطْبٌ جَلِيل وخَطْبٌ يَسِيرٌ والخَطْبُ : الأَمْرُ الذي يَقَعُ فيه المُخَاطَبَةُ وجَلَّ الخَطْبُ أَي عَظُمَ الأَمْرُ والشَّأْن وفي حديث عُمَرَ " وقد أَفطَروا في يَوْم غَيْمٍ في رَمَضَانَ فقَالَ : الخَطْبُ يَسِيرٌ " وفي التنزيل العزيز : " قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا المُرْسَلُونَ ج خُطُوبٌ ومن المجاز : هُوَ يُقَاسِي خُطُوبَ الدَّهْرِ...والخُطْبَةُ عِنْدَ العَرَبِ : الكَلاَمُ المَنْثُورُ المُسَجَّعُ ونَحْوُهُ .
والخِطَابُ والمُخَاطَبَةُ : مُرَاجَعَةُ الكَلاَمِ وقَدْ خَاطَبَهُ بالكَلاَم مُخَاطَبَةً وخِطَاباً وهُمَا يَتَخَاطَبَانِ قال الله تعالى : " وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا " .
وقال ابن منظور في لسان العرب الخَطْبُ الشَّأْنُ أَو الأَمْرُ صَغُر أَو عَظُم وقيل هو سَبَبُ الأَمْر يقال ما خَطْبُك ؟ أَي ما أَمرُكَ ؟ .
خَاطَبَهُ مُخَاطَبَة، وخِطاباً: كالَمَه وحادثه. وـ وجَّه إليه كلاماً. ويقال: خاطبه في الأمر: حَدَّثه بشأنه. فالخطاب هو كلام موجه من متكلم الى مخاطب به والمخاطبة مراجعة الكلام بين متحاورين او طالب يطلب من مخاطب طلبا....
فالخطاب هو نص كلامي موجه الى مخاطب يقصد المتكلم منه ايصال صورة ذهنية الى المخاطب..فالتخاطب عملية لها اركان تلزم لتحديد مقصد المتكلم من خطابة وتشمل هذه العملية وجود متكلم يخاطب ووجود مخاطب يتلقى ووجود نص وهو الخطاب ولغة يصاغ بها الخطاب وادراك لما يحيط بالخطاب من احوال...
وقد عرف الاصوليون الحكم الشرعي بقولهم انه خطاب الشارع الحكيم المتعلق بافعال العباد.
فهو نص موحى به جاء ليستنبط منه او يصرح بحكم شرعي الهي ولا يكون شرعيا الا اذا كان وحيا من الله تعالى، ويسمى الخطاب الديني من باب اننا ندين لله به سمعا وطاعة لامره وانتهاءا عند نهيه.
وهنا نقف عند من ينادي بتجديد الخطاب الديني او تغيره او تحديثه..فان قصدوا اساليب الكلام فهي جمة متعددة وكما يقولون من قبل فان لكل مقام مقال..وان كان تغيرا للنصوص فانه لا احد يملك تغيير النص المقدس الا من أوحى به لنبيه..والوحي انقطع والنبوة ختمت فالنصوص الشرعية باقية خالدة ما بفيت الدنيا.. قال تعالى :- (وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ۙ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ۚ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُل لَّوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُم بِهِ ۖ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17)يونس.
فليس لبشر ان يبدل كلام الله تعالى المحفوظ او يغيره حتى النبي سلام الله عليه كما هو واضح من النص، فوظيفة اهل العلم واهل العقل فهم النص واستيعاب مراد الله تعالى منه وتبيينه للناس وذلك من خلال فهم ظاهر الخطاب "بحسب اللسان العربي وما يقتضيه، أي بحسب المقاصد الاستعمالية التي تقضي العوائد بالقصد إليها وحسب فنون واساليب الخطاب في اللسان العربي، وإن كان أصل الوضع على خلاف ذلك.ليتم فقه مراد الشارع من الخطاب، باعتبار أن الشارع بالرغم من تعبيره عن مقاصده بواسطة الأساليب الاستعمالية العربية، فإن له أساليب استعمالية شرعية أخرى يعبر بها عن مراده، لا بد من الإلمام بها ليحصل فقه مراد الشارع من خطابه. ثم تنزيله على الواقع. ولا يفهم القران والسنة الا بلسان الشريعة والقران والدين لسان العرب وهذا ما يقرره الامام الشاطبي رحمه الله حيث يقول ("أن الشريعة عربية وإذا كانت عربية فلا يفهمها حق الفهم إلا من فهم اللغة العربية حق الفهم لأنهما سيان في النمط، فإذا فرضنا مبتدئا في فهم العربية فهو مبتدئ في فهم الشريعة أو متوسطا فهو متوسط في فهم الشريعة، فإن انتهى إلى درجة الغاية في العربية كان كذلك في الشريعة…") . والشاطبي يذكرايضا أن "كل ما كان من المعاني العربية التي لا ينبني فهم القرآن إلا عليها فهو داخل تحت الظاهر" أي تحت ما يقتضيه اللسان العربي. وإذا حصل فهم ذلك كله على ترتيبه في اللسان العربي فقد حصل ظاهر القرآن" ويذكر الامام الشافعي رحمه الله في رسالته بعد أن يسوق هذه الآيات البينات: (وإنه لتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين) وقوله سبحانه: (وكذلك أنزلناه حكما عربيا) وقوله تعالى: (قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون) - يذكر أن الله سبحانه وتعالى "أقام حجته في كتابه، بأن كتابه عربي في كل آية ذكرناها، ثم أكد ذلك بأن نفى عنه جل ثناؤه كل لسان غير لسان العرب في آيتين من كتابه فقال تبارك وتعالى: (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر، لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) وقال: (ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أعجمي وعربي) ليخلص الى: "أنه لا يعلم من إيضاح جمل علم الكتابة أحد جهل معه لسان العرب وكثرة وجوهه، وجماع معانيه وتفرقها، ومن علمه انتفت عن الشبه التي دخلت على جهل لسانه". فخطابنا الشرعي مستند الى نصوص ثابتة ولغة علومها راسخة ومعانيها واضحة وما علينا الا ان نرتقي لمستوى فهمها وفهم الخطاب الشرعي الذي جاء ليعالج وقائع الحياة ويسيرها حسب مراد الله تعالى وهذه من اعجازات الكتاب العزيز ان يستمر في الوجود معجزة خالدة لا يعتريه التبديل ولا التحريف ولا العبث وسبقى خطاب الله تعالى الخالد لعباده.
وقد جعل سبحانه من اعظم المعاصي والذنوب في حياة البشرية تحريف كلام الله تعالى وتبديله سواءا كان ذلك بتحريف النصوص او تزييف المعاني، (مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱسْمَعْ وَٱنْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً)النساء46.
قال ابن عاشور :
التحريف هنا مستعمل في الميل عن سواء المعنى وصريحه إلى التأويل الباطل، كما يقال: تنكَّب عن الصراط، وعن الطريق، إذا أخطأ الصواب وصار إلى سوء الفهم أو التضليل، فهو على هذا تحريفُ مراد الله في التوراة إلى تأويلات باطلة، كما يفعل أهل الأهواء في تحريف معاني القرآن بالتأويلات الفاسدة. ويجوز أن يكون التحريف مشتقّاً من الحرف وهو الكلمة والكتابة، فيكون مراداً به تغيير كلمات التوراة وتبديلها بكلمات أخرى لتُوافِق أهواء أهل الشهوات في تأييد ما هم عليه من فاسد الأعمال. والظاهر أنّ كلا الأمرين قد ارتكبه اليهود في كتابهم. وما ينقل عن ابن عبّاس أنّ التحريف فساد التأويل ولا يعمد قوم على تغيير كتابهم، ناظرٌ إلى غالب أحوالهم، فعلى الاحتمال الأول يَكون استعمال عن في قوله: عن مواضعه مجازاً، ولا مجاوزة ولا مواضِعَ، وعلى الثاني يكون حقيقة إذ التحريف حينئذٍ نقل وإزالة.
(يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)المائدة41
وقال هنا مِن بعد مواضعه ، وفي سورة النساء (46) عَن مواضعه ، لأنّ آية سورة النّساء في وصف اليهود كلّهم وتحريفهم في التّوراة. فهو تغيير كلام التّوراة بكلام آخر عن جهل أو قصد أو خطأ في تأويل معاني التّوراة أو في ألفاظها. فكان إبعاداً للكلام عن مواضعه، أي إزالة للكلام الأصلي سواء عوّض بغيره أو لم يعوّض. وأمّا هاته الآية ففي ذكر طائفة معيّنة أبطلوا العمل بكلام ثابتٍ في التّوراة إذْ ألغوا حكم الرّجم الثّابت فيها دون تعويضه بغيره من الكلام، فهذا أشدّ جرأة من التّحريف الآخر، فكان قوله: من بعد مواضعه أبلغَ في تحريف الكلام، لأنّ لفظ (بعد) يقتضي أنّ مواضع الكلم مستقرّة وأنّه أبطل العمل بها مع بقائها قائمة في كتاب التّوراة. أ.هـ. من التحرير والتنوير.
وقد سخر الله تعالى لهذا الدين وكتابه وسنته على مر العصور من ابناء الامة عدولا ينفون عنه تحريف الغالين , وانتحال المبطلين , وتاويل الجاهلين. اللهم استخدمنا في خدمة دينك ما احييتنا يارب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.