من الذي يصنع الفقر وينشر الجوع بين أهل مصر؟
محمد عبد الحكم دياب
Feb 04, 2017
بعد الاستماع إلى كلمة الرئيس السيسي في اجتماعه الأخير مع الشباب بأسوان، وتطرق فيها كالعادة إلى «أهل الشر»، ووصف مصر بأنها فقيرة جدا، ومع هذا الوصف توالت على مخيلتي عدة خواطر؛ الخاطرة الأولى، تتعلق بما جاء في كتاب الأديب الراحل يوسف إدريس، وكان بعنوان «فقر الفكر وفكر الفقر» وشرح فيه «ظاهرة فقر الفكر وفكر الفقر»، أو الفقر في الأفكار المؤدية إلى فقر في الحياة والإنتاج، حين يؤدي بدوره إلى فقر فكري، وهكذا دواليك». وقد طرح في ذلك الكتاب سؤالا عن لماذا لا ننتج؟!، ومن المفيد أن يطلع الشباب، الذي لا يعرف 90٪ منه من هو يوسف إدريس، أو غيره من قامات الأدب والثقافة والفلسفة والعلوم والفنون والخاطرة الثانية عن شكل المؤتمر وقاعته ومقاعده، وهندام الحضور وأناقتهم ولياقاتهم الصحية والبدنية، ويبدو أنهم فرز أول، أو نخب أول؛ بلهجة أشقائنا في الشام، واختيروا بدقة وعناية فائقة، وليكونوا عند حسن الظن بهم، وهم يجلسون بين مسؤولين وشخصيات عامة؛ بلباسها الرسمي، وتبدو هذه مظاهر ضرورية لحكومة تقدمت إلى مجلس النواب بطلب سن قانون لزيادة مرتبات ومعاشات رئيس مجلس الوزراء، ونواب رئيس مجلس الوزراء، والوزراء ونواب الوزراء، والمحافظين ونواب المحافظين، وطلب آخر باعتماد مبلغ 22 مليون جنيه لشراء سيارات فاخرة ومصفحة؛ تحميهم وتحفظهم، وتتناسب مع وضعهم كأعضاء برلمان
وهذا في وقت رفضت فيه الحكومة منح علاوة 10% للعاملين في الدولة، بعد أن انخفض الجنيه المصري بنسبة %70 من قيمته في الشهور الأخيرة لعام 2016، وذلك الغنى في المظهر لا ينعكس على المَخْبَر أو الجوهر بأي حال. الخاطرة الثالثة مسرح الحدث ذاته، وبدا أنه اقتصر على هذا الشباب «المختار بعناية» تليق بوجوده وسط كبار موظفي الدولة وأباطرة المال والمقاولات، والشركات الكبرى، وكلهم جاءوا للاستماع للرئيس أو من يختاره، وهو دائم التحذير والتخويف للشباب من بعضهم البعض، ويدير حوارا أشبه بـ«المونولوج»، ومن بين من تحدثوا البرلماني محمد السويدي، الذي حل محل اللواء الراحل سامح سيف اليزل في رئاسة ائتلاف دعم مصر، ويرأس لجنة الصناعة بالبرلمان، ورئيس مجلس إدارة اتحاد الصناعات، ونائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لمجموعة زكي السويدي، وهي أكبر المجموعات الاحتكارية التي تمثل الوكالات العالمية الكبرى في مجال الكهرباء؛ وكانت مداخلة السويدي عن الصناعات الصغيرة والمتوسطة؛ انتقد فيها منظومة التعليم، وهو يعلم أن الدولة بكافة مسؤوليها لا توليها أهمية، ومجندة؛ من رئيس الجمهورية حتى أصغر مسؤول للدعوة للصناعات الصغيرة والمشروعات متناهية الصغر، تنفيذا لشروط صندوق النقد الدولي، الذي يفرض على مصر عدم الاقتراب من الصناعات الثقيلة والمتقدمة، أو ما يحقق أي نوع من الاكتفاء الذاتي، وذلك خدمة للوكلاء والمحتكرين والمستوردين
ومن ناحية أخرى فإن هذا الاجتماع عقد ومصر تعيش «نكبة» انهيار عملتها الوطنية وخفض قيمة الجنيه بشكل لم يحدث من قبل، وهذا الانهيار لم يكن الأول؛ وحدث من قبل، وكان أخف وطأة، ولم يكن بخطر أو فداحة «النكبة» الحالية. وكان «الرئيس الموازي» جمال مبارك، وأمانة سياساته صناع «الكارثة» الأولى في بدايات عام 2003، أما «النكبة» الحالية أعادت «اللهو الخفي»، ويبدو أنه صَانعها. وإذا ما قورنت بهذه «النكبة» سنجد أنها كانت أخف وطأة، ومشكلتها أنها عادت بالفائدة على مجموعة بعينها؛ خبيرة في المضاربات والعمل في المؤسسات والمصارف الأمريكية الكبرى وأضاف لها التعويم الأول خبرة في النهب على المستويين المصري والعربي، وما زالت خبرة مطلوبة لأباطرة المال والسياسة، وبعد أربعة عشر عاما من غياب المحاسبة، وعدم المساءلة على «الكارثة» الأولى، فمن المتوقع أن تمر «النكبة» الحالية دون حساب أو مساءلة
ومن اللافت للنظر أن ما حدث في يناير 2003، تناولته «بوابة الوفد» الألكترونية بعد سنوات في مايو 2011، وما زال محل استغراب؛ حيث لم تحاول الأجهزة الرقابية والحكومية والأمنية والأهلية كشف أسراره حتى الآن. واعتبر من المصائب التي وقعت على رؤوس المصريين فألهبت الأسعار، وخفضت الدخول وأصابت أغلب المؤشرات الاقتصادية بالتدهور والهزال والذبول، ولغز ألألغاز هو العلم بالقرار قبل صدوره، فتربصوا به وحصدوا غلته!.
سعت بوابة الوفد إلى كشف الذين علموا بقرار تعويم الجنيه قبل صدوره في 2003؟. وأكدت وجود 6 أشخاص على وجه اليقين؛ هم من علموا به قبل إعلانه بفترة ليست قصيرة؛ أولهم «الرئيس الموازي» جمال مبارك؛ الأب الروحي لقرار التعويم، ومعه شقيقه علاء مبارك، والمجموعة الاقتصادية بالحزب الوطني، وضمت يوسف بطرس غالي، ومحمود محيي الدين، وأحمد عز، ووزير المالية آنذاك مدحت حسانين وقد يكون من الممكن اكتشاف علاقة هؤلاء بـ«نكبة» 2016.
وكشفت صحيفة «الصباح» المصرية عن علاقة عراب «الكارثة» الأولى؛ يوسف بطرس غالي بالرئيس السيسي، وقالت أن غالي أكد في حواره مع الصحيفة «أن الرئاسة المصرية تستعين به دائمًا في بعض الاستشارات الاقتصادية منذ 2011، وأنه تلقى اسئلة في 30 صفحة، ورد عليها جميعا»، وكان بها سؤال؛ في غاية الكوميديا، على حد قوله هو هل يمكن وضع قانون واحد يحل كل الأزمات التى تمر بها مصر؟ وكانت الإجابة: لا.. فحل الأزمة لابد أن يكون بوضع إصلاحات اقتصادية ومصرفية فورية تباعًا، وفي فترة واحدة، ولابد أيضا من النظر فى حل عجز الموازنة، الذى يعد أحد أهم الأسباب التى أدت إلى أزمة اقتصادية وتضخم وشُح فى أسواق العملة الأجنبية».
وكان يوسف بطرس غالي هو ومحمود محيي الدين حصانان راهن عليهما «الرئيس الموازي» ويبدو أن الرئيس السيسي، يسير على نفس خطاه، وقد يكشف ذلك عن «حكومة ظل»، مشكلة من مطبخ أمانة السياسات السابق، فـ«نكبة» إفقار مصر عن عمد وجدت في شلة جمال مبارك فريقا قادرا على أداء هذه المهمة، ولذا اختير يوسف بطرس غالي كأقرب المستشارين السياسيين والاقتصاديين إلى السيسي
ونتصور أن التعرف على ما حدث في الماضي القريب ينير الطريق لمعرفة المسؤولين عن النكبة الراهنة، وعمل تقرير «بوابة الوفد» على البحث أصحاب المصلحة وقال عنهم إنهم من احتفظوا بمئات الملايين من الدولارات، وجمدوها إنتظارا لقرار التعويم، وهم من سارع لاقتراض ملايين أخرى من المصارف، وانتظار صدور القرار المعروف لهم سلفا، وحين صدر قفز سعر الدولار وقتها (2003) في لحظة من 370 قرشاً إلي 535 قرشاً للدولار، فحقق ما أسماهم التقرير «المجمِّدون» و«المقترِضون» المليارات، وزادت ثرواتهم بنسبة 40% في لمح البصر؛ دون مجهود أو مخاطرة أو عمل أو إنتاج. وهكذا يُصنع الفقر وينتشر الجوع، وبعدها نلوم الناس ونتحدث عن «أهل الشر»، وهل هناك شر أكثر من صناعة الفقر ونشر الجوع؟
محمد عبد الحكم دياب
Feb 04, 2017
بعد الاستماع إلى كلمة الرئيس السيسي في اجتماعه الأخير مع الشباب بأسوان، وتطرق فيها كالعادة إلى «أهل الشر»، ووصف مصر بأنها فقيرة جدا، ومع هذا الوصف توالت على مخيلتي عدة خواطر؛ الخاطرة الأولى، تتعلق بما جاء في كتاب الأديب الراحل يوسف إدريس، وكان بعنوان «فقر الفكر وفكر الفقر» وشرح فيه «ظاهرة فقر الفكر وفكر الفقر»، أو الفقر في الأفكار المؤدية إلى فقر في الحياة والإنتاج، حين يؤدي بدوره إلى فقر فكري، وهكذا دواليك». وقد طرح في ذلك الكتاب سؤالا عن لماذا لا ننتج؟!، ومن المفيد أن يطلع الشباب، الذي لا يعرف 90٪ منه من هو يوسف إدريس، أو غيره من قامات الأدب والثقافة والفلسفة والعلوم والفنون والخاطرة الثانية عن شكل المؤتمر وقاعته ومقاعده، وهندام الحضور وأناقتهم ولياقاتهم الصحية والبدنية، ويبدو أنهم فرز أول، أو نخب أول؛ بلهجة أشقائنا في الشام، واختيروا بدقة وعناية فائقة، وليكونوا عند حسن الظن بهم، وهم يجلسون بين مسؤولين وشخصيات عامة؛ بلباسها الرسمي، وتبدو هذه مظاهر ضرورية لحكومة تقدمت إلى مجلس النواب بطلب سن قانون لزيادة مرتبات ومعاشات رئيس مجلس الوزراء، ونواب رئيس مجلس الوزراء، والوزراء ونواب الوزراء، والمحافظين ونواب المحافظين، وطلب آخر باعتماد مبلغ 22 مليون جنيه لشراء سيارات فاخرة ومصفحة؛ تحميهم وتحفظهم، وتتناسب مع وضعهم كأعضاء برلمان
وهذا في وقت رفضت فيه الحكومة منح علاوة 10% للعاملين في الدولة، بعد أن انخفض الجنيه المصري بنسبة %70 من قيمته في الشهور الأخيرة لعام 2016، وذلك الغنى في المظهر لا ينعكس على المَخْبَر أو الجوهر بأي حال. الخاطرة الثالثة مسرح الحدث ذاته، وبدا أنه اقتصر على هذا الشباب «المختار بعناية» تليق بوجوده وسط كبار موظفي الدولة وأباطرة المال والمقاولات، والشركات الكبرى، وكلهم جاءوا للاستماع للرئيس أو من يختاره، وهو دائم التحذير والتخويف للشباب من بعضهم البعض، ويدير حوارا أشبه بـ«المونولوج»، ومن بين من تحدثوا البرلماني محمد السويدي، الذي حل محل اللواء الراحل سامح سيف اليزل في رئاسة ائتلاف دعم مصر، ويرأس لجنة الصناعة بالبرلمان، ورئيس مجلس إدارة اتحاد الصناعات، ونائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لمجموعة زكي السويدي، وهي أكبر المجموعات الاحتكارية التي تمثل الوكالات العالمية الكبرى في مجال الكهرباء؛ وكانت مداخلة السويدي عن الصناعات الصغيرة والمتوسطة؛ انتقد فيها منظومة التعليم، وهو يعلم أن الدولة بكافة مسؤوليها لا توليها أهمية، ومجندة؛ من رئيس الجمهورية حتى أصغر مسؤول للدعوة للصناعات الصغيرة والمشروعات متناهية الصغر، تنفيذا لشروط صندوق النقد الدولي، الذي يفرض على مصر عدم الاقتراب من الصناعات الثقيلة والمتقدمة، أو ما يحقق أي نوع من الاكتفاء الذاتي، وذلك خدمة للوكلاء والمحتكرين والمستوردين
ومن ناحية أخرى فإن هذا الاجتماع عقد ومصر تعيش «نكبة» انهيار عملتها الوطنية وخفض قيمة الجنيه بشكل لم يحدث من قبل، وهذا الانهيار لم يكن الأول؛ وحدث من قبل، وكان أخف وطأة، ولم يكن بخطر أو فداحة «النكبة» الحالية. وكان «الرئيس الموازي» جمال مبارك، وأمانة سياساته صناع «الكارثة» الأولى في بدايات عام 2003، أما «النكبة» الحالية أعادت «اللهو الخفي»، ويبدو أنه صَانعها. وإذا ما قورنت بهذه «النكبة» سنجد أنها كانت أخف وطأة، ومشكلتها أنها عادت بالفائدة على مجموعة بعينها؛ خبيرة في المضاربات والعمل في المؤسسات والمصارف الأمريكية الكبرى وأضاف لها التعويم الأول خبرة في النهب على المستويين المصري والعربي، وما زالت خبرة مطلوبة لأباطرة المال والسياسة، وبعد أربعة عشر عاما من غياب المحاسبة، وعدم المساءلة على «الكارثة» الأولى، فمن المتوقع أن تمر «النكبة» الحالية دون حساب أو مساءلة
ومن اللافت للنظر أن ما حدث في يناير 2003، تناولته «بوابة الوفد» الألكترونية بعد سنوات في مايو 2011، وما زال محل استغراب؛ حيث لم تحاول الأجهزة الرقابية والحكومية والأمنية والأهلية كشف أسراره حتى الآن. واعتبر من المصائب التي وقعت على رؤوس المصريين فألهبت الأسعار، وخفضت الدخول وأصابت أغلب المؤشرات الاقتصادية بالتدهور والهزال والذبول، ولغز ألألغاز هو العلم بالقرار قبل صدوره، فتربصوا به وحصدوا غلته!.
سعت بوابة الوفد إلى كشف الذين علموا بقرار تعويم الجنيه قبل صدوره في 2003؟. وأكدت وجود 6 أشخاص على وجه اليقين؛ هم من علموا به قبل إعلانه بفترة ليست قصيرة؛ أولهم «الرئيس الموازي» جمال مبارك؛ الأب الروحي لقرار التعويم، ومعه شقيقه علاء مبارك، والمجموعة الاقتصادية بالحزب الوطني، وضمت يوسف بطرس غالي، ومحمود محيي الدين، وأحمد عز، ووزير المالية آنذاك مدحت حسانين وقد يكون من الممكن اكتشاف علاقة هؤلاء بـ«نكبة» 2016.
وكشفت صحيفة «الصباح» المصرية عن علاقة عراب «الكارثة» الأولى؛ يوسف بطرس غالي بالرئيس السيسي، وقالت أن غالي أكد في حواره مع الصحيفة «أن الرئاسة المصرية تستعين به دائمًا في بعض الاستشارات الاقتصادية منذ 2011، وأنه تلقى اسئلة في 30 صفحة، ورد عليها جميعا»، وكان بها سؤال؛ في غاية الكوميديا، على حد قوله هو هل يمكن وضع قانون واحد يحل كل الأزمات التى تمر بها مصر؟ وكانت الإجابة: لا.. فحل الأزمة لابد أن يكون بوضع إصلاحات اقتصادية ومصرفية فورية تباعًا، وفي فترة واحدة، ولابد أيضا من النظر فى حل عجز الموازنة، الذى يعد أحد أهم الأسباب التى أدت إلى أزمة اقتصادية وتضخم وشُح فى أسواق العملة الأجنبية».
وكان يوسف بطرس غالي هو ومحمود محيي الدين حصانان راهن عليهما «الرئيس الموازي» ويبدو أن الرئيس السيسي، يسير على نفس خطاه، وقد يكشف ذلك عن «حكومة ظل»، مشكلة من مطبخ أمانة السياسات السابق، فـ«نكبة» إفقار مصر عن عمد وجدت في شلة جمال مبارك فريقا قادرا على أداء هذه المهمة، ولذا اختير يوسف بطرس غالي كأقرب المستشارين السياسيين والاقتصاديين إلى السيسي
ونتصور أن التعرف على ما حدث في الماضي القريب ينير الطريق لمعرفة المسؤولين عن النكبة الراهنة، وعمل تقرير «بوابة الوفد» على البحث أصحاب المصلحة وقال عنهم إنهم من احتفظوا بمئات الملايين من الدولارات، وجمدوها إنتظارا لقرار التعويم، وهم من سارع لاقتراض ملايين أخرى من المصارف، وانتظار صدور القرار المعروف لهم سلفا، وحين صدر قفز سعر الدولار وقتها (2003) في لحظة من 370 قرشاً إلي 535 قرشاً للدولار، فحقق ما أسماهم التقرير «المجمِّدون» و«المقترِضون» المليارات، وزادت ثرواتهم بنسبة 40% في لمح البصر؛ دون مجهود أو مخاطرة أو عمل أو إنتاج. وهكذا يُصنع الفقر وينتشر الجوع، وبعدها نلوم الناس ونتحدث عن «أهل الشر»، وهل هناك شر أكثر من صناعة الفقر ونشر الجوع؟