>
>> بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
>> ما أعرفه عن علاقات العراق بالكويت
>> وجدي أنور مردان
>> بعد دخول القوات المسلحة العراقية الى الكويت بتاريخ 2 آب (أغسطس) 1990، كتب الدكتور محمد فاضل الجمالي (رحمه الله) سلسلة من المقالات، حول الموضوع، ثم جمعها في كتاب بعنوان (ماساة الخليج والهيمنة الغربية الجديدة). نشرته مكتبة مدبولي المصرية عام 1992.
>> هذا المقال مقتبس بالكامل عنوانا ومتنا من ذلك الكتاب.
>> ولمن لايعرف الدكتور محمد فاضل الجمالي (رحمه الله) من الجيل العراق الجديد، فهو من رجالات العراق في العهد الملكي. مواليد الكاظمية ببغداد عام 1903 تخرج من الجامعة الامريكية في بيروت ثم حصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة كولومبيا الامريكية في ثلاثينات القرن الماضي. وقع على ميثاق الامم المتحدة نيابة عن العراق وشعبه، في سان فرانسيسكوا عام 1945.. اختير رئيسا للمجلس النيابي العراقي مرتين ثم شغل مناصب وزارية عديدة منها وزير المعارف (التربية) ووزير الخارجية وترأس رئاسة الوزراء للفترة (1953-1954). وكان أخر وزير للخارجية في العهد الملكي. توفي رحمه الله في تونس في منتصف التسعينات عن عمر يناهز الـ 95 سنة حفلت بالعطاء السياسي والعلمي. كان من المناضلين في المطالبة باستقلال الدول العربية خاصة دول المغرب العربي من خلال المحافل الدولية الديبلوماسية. له العديد من المؤلفات منها علمية تربوية ومنها في مجال القومية العربية.
>> كتب المرحوم الجمالي في مقدمة كتابه: (وقد سببت لي أزمة الخليج قلقا نفسيا شديدا فبدات بتحرير مقالات في الموضوع منذ بداية الازمة الى نهاية اقرار مجلس الامن الشروط القاسية التي قبلها العراق لأعتبار حرب الخليج منتهية، انها مقالات تعبر عن فكر مستقل مؤمن بوحدة الامة العربية وبالاخوة العربية وباتباع الطرق السلمية بروح الانصاف والتأخي بين الاشقاء العرب.... كما يؤمن بعلاقة كل المشاكل التي يؤججها الاستعمار في المشرق العربي بالقضية الفلسطينية التي اعتبرها القضية الام في المشرق العربي).
>> وفيما يلي المقال الاول من سلسلة المقالات التي ننوي نشرها تباعا ان شاء الله. آملين ان تكون حافزا لمن يطالعها على التفكير بها ولكي لا يغيب حق العراق وحقوق شعبه في خضم الاحداث المؤلمة الجارية وبعد أن فرض المحتلين عملائه لحكم العراق لتنفيذ اجندته، هؤلاء العملاء ليسوا مؤهلين للدفاع عن حقوق العراق ووحدة اراضيه وهويته العربية والاسلامية.
>> نص المقال :
>> ما أعرفه عن علاقات العراق بالكويت
>> ((تنتاب العالم أجمع والبلاد العربية خاصة حالة هيجان حاده بسبب ضم العراق للكويت باجتياح عسكري. كان المفروض أن يعالج وتحل المشاكل بين حكومتي البلدين الشقيقين بروح أخوية هادئة وعلى ضوء المنطق والمصلحة العربية ولكن الاستعمار قديم وحديث يحول دون ذلك. فوسائل الاعلام المعادية للعروبة والاسلام ولاسيما الصهيونية منها عملت وتعمل على تمزيق شمل أمتنا وتحول دون أية محاولة جادة تقوم بها الدول العربية من أجل تحقيق الاتحاد السياسي والاقتصادي والنهوض العلمي والتقني والاجتماعي في عالمنا العربي. ان الاستعمار قديم وحديث (وربيبته الصهيونية) عمل ويعمل على غرس بذور التفرقة والخصام والشك والخوف وسفك الدماء بين العربي وأخيه العربي وبين المسلم وأخيه المسلم، ولقد كان العراق وسيبقى هدف لنشاط الاستعمار بسبب موقعه الجغرافي وثرواته الطبيعية والبشرية ونزعته الثورية ودعوته الى الوحدة العربية والاخوة الاسلامية.
>> ولقد كان العراق أول بلد عربي ثار على الاحتلال البريطاني (1920) بعد الحرب العالمية الاولى فأعترف "شرشل" بعجز الحكومة البريطانية عن ممارسة الحكم المباشر للعراق واعترفوا بحقه في الاستقلال.
>> وجيْ بالملك فيصل الاول الذي أسس المملكة العراقية ثم عقدت معاهدة (1930) بين العراق وبريطانيا وبموجبها دخل العراق عضوا في عصبة الامم (في جنيف) سنة (1932).
>> منذ أن حقق العراق أستقلاله بدأ العمل على تحرير البلاد العربية التي كانت ترزح تحت نير الاستعمار والدعوة على تحرير البلاد العربية هذه كانت رسالة فيصل الاول: تحرير البلاد العربية وتوحيدها.
>> وعلى هديه سار ولده "غازي" حين أصبح ملكا بعد وفاة والده ومن جملة البلاد العربية التي دعا الملك غازي الى الاتحاد مع العراق "الكويت" فقضية الكويت والعراق لا تتوقف على هذا الزعيم أو ذاك انها علاقة بين أبناء شعب واحد وبلد واحد انها جزء حيوي من الجسم العراقي فصله الانكليز عن باقي الجسد كما فعلوا في تقسيم سوريا الى سوريا ولبنان والاردن وفلسطين ثم قسموا سوريا نفسها الى دمشق وحلب وجبل الدروز والعلويين وفعلوا الشئ نفسه في العديد من بلاد الارض في كل من أسيا وأفريقيا.
>> فالكويت في العهد العثماني كان جزءاً من ولاية البصرة ولما توسع الاستعمار البريطاني في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر عملت بريطانيا على وضع يدها على كل المراكز التعبوية التي تقع على طريق الرابط بين بريطانيا والهند وحرمان المانيا من النفوذ الى الخليج والمحيط الهندي اذ كانت المانيا تخطط لتأسيس سكة حديد برلين – بغداد ومده الى الخليج. كانت الكويت من جملة البقع التي وضعت بريطانيا يدها عليها فاصبحت محمية بريطانية.وقد حدثني السيد نوري السعيد (رحمه الله) أن مجلس المبعوثان العثماني صادق على الحماية البريطانية للكويت ضمن "السور" أي مدينة الكويت فقط ولم تدخل الاراضي التي تحيط بالمدينة ضمن الحماية الشرعية. لم ابحث عن مصدر رواية السيد نوري السعيد.
>> ان الذي أتذكره هو ان الملك غازي (رحمه الله) كان قد أسس اذاعة خاصة في قصره الملكي (قصر الزهور) وكان في السنوات الاخيرة من حياته يخاطب الكويتين يدعوهم الى الانضمام الى العراق. وسمعنا انذاك ان المجلس البلدي لمدينة الكويت وكان يرأسه المرحوم الشيخ عبدالله السالم الصباح (أول أمير على الكويت بعد أستقلالها ووالد الشيخ سعد ولي العهد ورئيس الوزراء حاليا) ((في العام 1990)) قرر الالتحاق بالعراق فقام الانكليز بحل المجلس ومطاردة دعاة الانضمام الى العراق، قتل الملك غازي في حادث أليم وطويت صفحة من الاتصال السياسي بين العراق والكويت. أما الاتصال الاجتماعي والاقتصادي والثقافي فلم ينقطع يوما بين الكويت والعراق في هذه الحقبة.
>> فالبصرة والكويت مرتبطان ببعضهما اقتصاديا وبالمصاهرة التي تربط بين العوائل.
>> ونحن في وزارة المعارف كنا نلبي طلبات الكويت من المدرين كما كان الاتصال الثقافي طبيعيا.
>> وفي بداية الحرب العالمية الثانية وبعد فشل ثورة السيد رشيد عالي الكيلاني على الانكليز سيطر الانكليز على اجهزة الحكم في العراق طوال مدة الحرب فلم تثر قضية الكويت اذ اصبحنا جميعا (العراق والكويت) في سفينة واحدة ربانها بريطانيا. وفي سنة (1943) وضع السيد نوري السعيد "كتابه الازرق" الذي قدمه للمستر كيسي وزير الدولة البريطاني المقيم في القاهرة مقترحا توحيد الهلال الخصيب: العراق وسوريا الكبرى (سوريا، لبنان، الاردن وفلسطين) ولم يرد ذكر الكويت في هذا المشروع ولم يلق المشروع دعما من الحكومة البريطانية ولم ير النور بل تأسست بدله جامعة الدول العربية (1945).
>> فكان المغفور له الملك عبد الله يطالب بوحدة سوريا الكبرى تحت عرشه وفي العراق بدأ نشاط في الدعوة الى الاتحاد مع سوريا سنة (1949) وذاك بعد انقلاب قام به الزعيم حسني الزعيم في سوريا وكنت يومئذ وزيرا لخارجية العراق. وقد وجدت بين أوراقي وثيقة تحتوي على توصيات للامير عبد الاله بمناسبة سفره الى لندن ليفاتح وزارة الخارجية البريطانية به: ومن جملة هذه التوصيات مطالبة الحكومة البريطانية بالحاق جزيرتي "وربة وبوبيان"بالعراق نظرا لأهميتها جغرافيا بالنسبة لمصالح العراق في الخليج، لم ينتج شيء من هذه التوصية.
>> وفي أثناء رئاستي الوزارة العراقية (53-1954) زار العراق الاخ الشيخ فهد الصباح وزير المواصلات في حكومة الكويت، زارني في داري فكان بيننا حديث أخوي صريح: قلت له أنا لاأعرف حدودا تفصل بين العراق والكويت وان أرض العراق ومياهه هي كويتية بقدر ما هي عراقية وكذلك أرض الكويت فأنها عراقية بقدر ماهي كويتية (هذه عقيدتي وليست مجاملة) واقترحت على حكومة الكويت أن تشق نهرا من الفرات يروي أراضي الكويت من دون قيد أو شرط. علمت فيما بعد أن جهات أجنبية حذرت حكومة الكويت من تنفيذ مشروع كهذا.
>> بقيت مساعي العراق في سبيل الاتحاد مع سوريا مستمرة منذ (1949) الى (1958) ولكن المعارضة الاجنبية والعربية لهذا الاتحاد حالت دون تحقيقه. وما حدث سنة (1958) هو ان سوريا انضمت الى مصر واستبعد العراق، الامر الذي حملني على تحرير مقال في جريدتي التي كنت اصدرها في بغداد (العمل) بعنوان "تحد أم أتحاد؟"" معتبرا ذلك الاتحاد تحديا للعراق. وفي الوقت نفسه اقترحت على العرش قيام اتحاد بين العراق والمملكة الاردنية الهاشمية فقبل اقتراحي والفت وزارة يراسها السيد نوري السعيد وكنت وزيرا للخارجية فيها، نفذت مشروع الاتحاد وبعد اتحاد القطرين العراقي والاردني أرتأى السيد نوري السعيد تقوية الاتحاد بدخول الكويت فيه فطلب العراق من بريطانيا أن تنهي الحماية وتعلن استقلال الكويت وفي اثناء مرور سلوين لويد (وزير الخارجية البريطاني) ببغداد عقد اجتماع في قصر الرحاب حضره الملك فيصل الثاني وولي العهد الامير عبد الاله والسيد نوري السعيد وكاتب هذه السطور، وكان موضوع استقلال الكويت أهم موضوع بحث في الاجتماع وأقترح كاتب هذه السطور أن تستقل الكويت وان يصبح أميرها ملكا ليتشكل الاتحاد من ملوك ثلاثة: العراق والاردن والكويت وفي السنة ذاتها (1958) دعت الحكومة العراقية أمير الكويت الشيخ عبد الله السالم الصباح لزيارة العراق، وكان لي شخصيا حديث خاص معه حول انضمام الكويت الى الاتحاد وأن في ذلك قوة للجميع. فقال لي على ما أتذكر أنه لايستطيع ان يفعل ذلك قبل أستشارة الرئيس جمال عبد الناصر!!
>> وفي الثالث من تموز (جويليه) (1958) وفي طريق عودتي من الولايات المتحدة الى العراق توقفت بلندن وزرت وزير الخارجية البريطاني المستر سلوين لويد في منزله الرسمي (كارلتون غاردن رقم 1) فحدثني عن زيارة السيد نوري السعيد مؤخرا، وأن السيد نوري السعيد كان في حديثه منفعلا وناقدا للسياسة البريطانية في الشرق الاوسط لتلكؤها في منح الكويت الاستقلال ومن موقفها من تدخل الرئيس عبد الناصر في لبنان وكان العراق مناصرا للرئيس كميل شمعون. عدت الى بغداد وبعد ايام معدودات قامت الثورة العراقية (14) تموز (1958) وانتهى العهد الملكي/ وكنت من الذين القي القبض عليهم وحكموا علي بالاعدام وخمسة وخمسين سنة سجنا ونحو مليون دولار غرامة من قبل المحكمة العسكرية العليا الخاصة التي ترأسها العقيد فاضل عباس المهداوي. وأنا في السجن سمعت عن منح بريطانيا الكويت الاستقلال التام بأنهاء الحماية. ثم سمعت أن الزعيم عبد الكريم قاسم قرر ألحاق الكويت بالعراق وأعتبار أمير الكويت "قائمقاما" وبمرتب (80) دينارا شهريا.
>> وفي ليلة (14) تموز (جولية) (1961) أمر الزعيم عبد الكريم قاسم ادارة السجن باحضار أربعة رؤساء وزارة سابقين هم السادة: توفيق السويدي ورشيد عالي الكيلاني ومحمد فاضل الجمالي وأحمد مختار بابان ووزيرين سابقين هما السيدان خليل كنة وبرهان الدين باش أعيان ومدير شرطة هو السيد ابراهيم حسن الى وزارة الدفاع مساءً. أخذنا الى وزارة الدفاع وانتظرنا قدوم الزعيم عبد الكريم قاسم فلما وصل رقب بنا ونوه بخدماتنا للبلاد معترفا بفضلنا مبينا انه انقذ حياتنا من الشعب وحمانا من الشارع الذي كان يريد القضاء علينا ثم بدأ يشرح انجازاته وخططه العمرانية للبلاد ثم طلب احضار خارطة كبيرة للعراق والكويت معلقة على سبورة ووقف ليلقي محاضرة علينا شارحا علاقة الكويت بالعراق وضرورة عودة الكويت الى العراق لانها النقطة التي سيطعن الانكليز فيها العراق في الخلف فيما اذا عزم العراق على انقاذ فلسطين!!!
>> كان هذا أخر ما سمعته عن الكويت وأنا في العراق الى سنة (1962) أي قبل نحو ثلاثين سنة وفي سنة (1962) قدمت الى تونس ولم تبقى لي علاقة في مجرى الامور السياسية والدولية في العراق منذ ذلك التاريخ.
>> ومن المعلوم أن الزعيم عبد الكريم قاسم حاول اجتياح الكويت ولكن قوة بريطانية وأخرى عربية جعلته يتراجع عن تنفيذ خطته.))
>> انتهى نص المقال
>> وفي المقالة القادمة يتحدث المرحوم الدكتور فاضل الجمالي عن المبررات العراقية لضم الكويت عسكريا.
>> ما ضاع حق ورائه مطالب
>> بغداد المحتلة