مع الامام الغزالي وفقرات من احياء علوم الدين
*** حبُّ الدنيا رأسُ كلِّ خطيئة ***
(حبُّ الدنيا رأسُ كلِّ خطيئة، وأساسُ كلِّ نقصان، ومنبعُ كلِّ فساد، ومَن انطوى باطنه على حبِّ الدنيا حتى مال إلى شيء منها لا ليتزود منها ولا ليستعين بها على الآخرة، فلا يطمعن في أنْ تصفو له لذة المناجاة في الصلاة، فإنَّ مَنْ فرح بالدنيا لا يفرح بالله سبحانه وبمناجاته، وهمَّة الرجل مع قرَّة عينه، فإنْ كانت قرَّة عينه في الدنيا انصرف لا محالة إليها همُّه، ولكن مع هذا فلا ينبغي أن يترك المجاهدة ورد القلب إلى الصلاة، وتقليل الأسباب الشاغلة، فهذا هو الدواء المر، ولمرارته استبشعته الطباع، وبقيت العلة مزمنة، وصار الداء عضالاً، حتى إنَّ الأكابر اجتهدوا أن يصلوا ركعتين لا يحدثوا أنفسهم فيها بأمور الدنيا، فعجزوا عن ذلك، فإذن لا مطمع فيه لأمثالنا، وليته سلم لنا من الصلاة شطرها أو ثلثها من الوسواس، لنكون ممن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وعلى الجملة فهمَّةُ الدنيا وهمَّةُ الآخرة في القلب مثل الماء الذي يصب في قدح مملوء بخل، فبقدر ما ندخل فيه من الماء يخرج منه من الخل لا محالة ولا يجتمعان).
- (إذا مالت قلوب العلماء إلى حبِّ الدنيا وإيثارها على الآخرة، فعند ذلك يسلبها الله تعالى ينابيع الحكمة، ويطفىء مصابيح الهدى من قلوبهم، فيخبرك عالمهم حين تلقاه أنه يخشى الله بلسانه، والفجور ظاهر في عمله، فما أخصبَ الألسن يومئذ، وما أجدبَ القلوب، فوالله الذي لا إله إلا هو ما ذلك إلا لأنَّ المعلمين علموا لغير الله تعالى، والمتعلمين تعلموا لغير الله تعالى).
- (فساد الرعايا بفساد الملوك، وفساد الملوك بفساد العلماء، وفساد العلماء باستيلاء حب المال والجاه، ومن استولى عليه حب الدنيا لم يقدر على الحسبة على الأراذل، فكيف على الملوك والأكابر، والله المستعان على كل حال).
- (الحمد لله الذي عرف أولياءه غوائل الدنيا وآفاتها، وكشف لهم عن عيوبها وعوراتها، حتى نظروا في شواهدها وآياتها، ووزنوا بحسناتها سيئاتها، فعلموا أنه يزيد منكرها على معروفها، ولا يفي مرجوها بمخوفها، ولا يسلم طلوعها من كسوفها، ولكنها في صورة امرأة مليحة تستميل الناس بجمالها، ولها أسرار سوء قبائح تهلك الراغبين في وصالها، ثم هي فرارة عن طلابها، شحيحة بإقبالها، وإذا أقبلت لم يؤمن شرها ووبالها، إن أحسنت ساعة أساءت سنة، وإن أساءت مرة جعلتها سنة، فدوائر إقبالها على التقارب دائرة، وتجارة بنيها خاسرة بائرة، وآفاتها على التوالي لصدور طلابها راشقة، ومجاري أحوالها بذل طالبيها ناطقة، فكل مغرور بها إلى الذل مصيره، وكل متكبر بها إلى التحسر مسيره، شأنها الهرب من طالبها، والطلب لهاربها، ومن خدمها فاتته، ومن أعرض عنها واتته، لا يخلو صفوها عن شوائب الكدورات، ولا ينفك سرورها عن المنغصات، سلامتها تعقب السقم، وشبابها يسوق إلى الهرم، ونعيمها لا يثمر إلا الحسرة والندم، فهي خداعة مكارة طيارة فرارة، لا تزال تتزين لطلابها، حتى إذا صاروا من أحبابها كشرت لهم عن أنيابها، وشوشت عليهم مناظم أسبابها، وكشفت لهم عن مكنون عجائبها، فأذاقتهم قواتل سمامها، ورشقتهم بصوائب سهامها، بينما أصحابها منها في سرور وإنعام، إذ ولت عنها كأنها أضغاث أحلام، ثم عكرت عليهم بدواهيها فطحنتهم طحن الحصيد، ووارتهم في أكفانهم تحت الصعيد، إن ملكت واحدا منهم جميع ما طلعت عليه الشمس جعلته حصيدا كأن لم يغن بالأمس، تمني أصحابها سرورا، وتعدهم غرورا، حتى يأملون كثيرا، ويبنون قصورا، فتصبح قصورهم قبورا، وجمعهم بُورا، وسعيهم هباءً منثورا، ودعاؤهم ثبورا، هذه صفتها وكان أمر الله قدراً مقدورا).
من آداب طالب العلم:
- (لا ينبغي لطالب العلم أن يتكبر على المعلم، ومن تكبره على المعلم أن يستنكف عن الاستفادة إلا من المرموقين المشهورين، وهو عين الحماقة، فإنَّ العلمَ سببُ النجاة والسعادة، ومن يطلب مهرباً من سبع ضار يفترسه، لم يفرِّق بين أنْ يرشده إلى الهرب مشهور أو خامل، وضراوة سباع النار بالجهل بالله تعالى أشد من ضراوة كلِّ سبع، فالحكمة ضالة المؤمن يغتنمها حيث يظفر بها، ويتقلد المنة لمن ساقها إليه كائناً من كان).
بين العلم والمال:
- (الفرق بين العلم والمال أن المال لا يحل في يد ما لم يرتحل عن اليد الأخرى، والعلم في قلب العالم مستقر ويحل في قلب غيره بتعليمه من غير أن يرتحل من قلبه، والمال أجسام وأعيان ولها نهاية، فلو ملك الإنسان جميع ما في الأرض لم يبق بعده مال يتملكه غيره، والعلم لا نهاية له ولا يتصور استيعابه، فمن عود نفسه الفكر في جلال الله وعظمته وملكوت أرضه وسمائه، صار ذلك ألذ عنده من كلِّ نعيم، ولم يكن ممنوعاً منه ولا مزاحماً فيه، فلا يكون في قلبه حسد لأحد من الخلق؛ لأنَّ غيره أيضاً لو عرف مثل معرفته لم ينقص من لذته بل زادت لذته بمؤانسته، فتكون لذة هؤلاء في مطالعة عجائب الملكوت على الدوام أعظم من لذة من ينظر إلى أشجار الجنة وبساتينها بالعين الظاهرة، فإنَّ نعيم العارف وجنته: معرفته التي هي صفة ذاته يأمن زوالها، وهو أبداً يجني ثمارها، فهو بروحه وقلبه مغتذ بفاكهة علمه، وهي فاكهة غير مقطوعة ولا ممنوعة، بل قطوفها دانية، فهو وإن غمض العين الظاهرة، فروحه أبداً ترتع في جنة عالية، ورياض زاهرة، فإن فرض كثرة في العارفين لم يكونوا متحاسدين، بل كانوا كما قال فيهم رب العالمين: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}، فهذا حالهم وهم بعد في الدنيا، فماذا يظن بهم عند انكشاف الغطاء، ومشاهدة المحبوب في العقبى).
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه وصلى الله على نبينا محمد واله وصحبه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*** حبُّ الدنيا رأسُ كلِّ خطيئة ***
(حبُّ الدنيا رأسُ كلِّ خطيئة، وأساسُ كلِّ نقصان، ومنبعُ كلِّ فساد، ومَن انطوى باطنه على حبِّ الدنيا حتى مال إلى شيء منها لا ليتزود منها ولا ليستعين بها على الآخرة، فلا يطمعن في أنْ تصفو له لذة المناجاة في الصلاة، فإنَّ مَنْ فرح بالدنيا لا يفرح بالله سبحانه وبمناجاته، وهمَّة الرجل مع قرَّة عينه، فإنْ كانت قرَّة عينه في الدنيا انصرف لا محالة إليها همُّه، ولكن مع هذا فلا ينبغي أن يترك المجاهدة ورد القلب إلى الصلاة، وتقليل الأسباب الشاغلة، فهذا هو الدواء المر، ولمرارته استبشعته الطباع، وبقيت العلة مزمنة، وصار الداء عضالاً، حتى إنَّ الأكابر اجتهدوا أن يصلوا ركعتين لا يحدثوا أنفسهم فيها بأمور الدنيا، فعجزوا عن ذلك، فإذن لا مطمع فيه لأمثالنا، وليته سلم لنا من الصلاة شطرها أو ثلثها من الوسواس، لنكون ممن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وعلى الجملة فهمَّةُ الدنيا وهمَّةُ الآخرة في القلب مثل الماء الذي يصب في قدح مملوء بخل، فبقدر ما ندخل فيه من الماء يخرج منه من الخل لا محالة ولا يجتمعان).
- (إذا مالت قلوب العلماء إلى حبِّ الدنيا وإيثارها على الآخرة، فعند ذلك يسلبها الله تعالى ينابيع الحكمة، ويطفىء مصابيح الهدى من قلوبهم، فيخبرك عالمهم حين تلقاه أنه يخشى الله بلسانه، والفجور ظاهر في عمله، فما أخصبَ الألسن يومئذ، وما أجدبَ القلوب، فوالله الذي لا إله إلا هو ما ذلك إلا لأنَّ المعلمين علموا لغير الله تعالى، والمتعلمين تعلموا لغير الله تعالى).
- (فساد الرعايا بفساد الملوك، وفساد الملوك بفساد العلماء، وفساد العلماء باستيلاء حب المال والجاه، ومن استولى عليه حب الدنيا لم يقدر على الحسبة على الأراذل، فكيف على الملوك والأكابر، والله المستعان على كل حال).
- (الحمد لله الذي عرف أولياءه غوائل الدنيا وآفاتها، وكشف لهم عن عيوبها وعوراتها، حتى نظروا في شواهدها وآياتها، ووزنوا بحسناتها سيئاتها، فعلموا أنه يزيد منكرها على معروفها، ولا يفي مرجوها بمخوفها، ولا يسلم طلوعها من كسوفها، ولكنها في صورة امرأة مليحة تستميل الناس بجمالها، ولها أسرار سوء قبائح تهلك الراغبين في وصالها، ثم هي فرارة عن طلابها، شحيحة بإقبالها، وإذا أقبلت لم يؤمن شرها ووبالها، إن أحسنت ساعة أساءت سنة، وإن أساءت مرة جعلتها سنة، فدوائر إقبالها على التقارب دائرة، وتجارة بنيها خاسرة بائرة، وآفاتها على التوالي لصدور طلابها راشقة، ومجاري أحوالها بذل طالبيها ناطقة، فكل مغرور بها إلى الذل مصيره، وكل متكبر بها إلى التحسر مسيره، شأنها الهرب من طالبها، والطلب لهاربها، ومن خدمها فاتته، ومن أعرض عنها واتته، لا يخلو صفوها عن شوائب الكدورات، ولا ينفك سرورها عن المنغصات، سلامتها تعقب السقم، وشبابها يسوق إلى الهرم، ونعيمها لا يثمر إلا الحسرة والندم، فهي خداعة مكارة طيارة فرارة، لا تزال تتزين لطلابها، حتى إذا صاروا من أحبابها كشرت لهم عن أنيابها، وشوشت عليهم مناظم أسبابها، وكشفت لهم عن مكنون عجائبها، فأذاقتهم قواتل سمامها، ورشقتهم بصوائب سهامها، بينما أصحابها منها في سرور وإنعام، إذ ولت عنها كأنها أضغاث أحلام، ثم عكرت عليهم بدواهيها فطحنتهم طحن الحصيد، ووارتهم في أكفانهم تحت الصعيد، إن ملكت واحدا منهم جميع ما طلعت عليه الشمس جعلته حصيدا كأن لم يغن بالأمس، تمني أصحابها سرورا، وتعدهم غرورا، حتى يأملون كثيرا، ويبنون قصورا، فتصبح قصورهم قبورا، وجمعهم بُورا، وسعيهم هباءً منثورا، ودعاؤهم ثبورا، هذه صفتها وكان أمر الله قدراً مقدورا).
من آداب طالب العلم:
- (لا ينبغي لطالب العلم أن يتكبر على المعلم، ومن تكبره على المعلم أن يستنكف عن الاستفادة إلا من المرموقين المشهورين، وهو عين الحماقة، فإنَّ العلمَ سببُ النجاة والسعادة، ومن يطلب مهرباً من سبع ضار يفترسه، لم يفرِّق بين أنْ يرشده إلى الهرب مشهور أو خامل، وضراوة سباع النار بالجهل بالله تعالى أشد من ضراوة كلِّ سبع، فالحكمة ضالة المؤمن يغتنمها حيث يظفر بها، ويتقلد المنة لمن ساقها إليه كائناً من كان).
بين العلم والمال:
- (الفرق بين العلم والمال أن المال لا يحل في يد ما لم يرتحل عن اليد الأخرى، والعلم في قلب العالم مستقر ويحل في قلب غيره بتعليمه من غير أن يرتحل من قلبه، والمال أجسام وأعيان ولها نهاية، فلو ملك الإنسان جميع ما في الأرض لم يبق بعده مال يتملكه غيره، والعلم لا نهاية له ولا يتصور استيعابه، فمن عود نفسه الفكر في جلال الله وعظمته وملكوت أرضه وسمائه، صار ذلك ألذ عنده من كلِّ نعيم، ولم يكن ممنوعاً منه ولا مزاحماً فيه، فلا يكون في قلبه حسد لأحد من الخلق؛ لأنَّ غيره أيضاً لو عرف مثل معرفته لم ينقص من لذته بل زادت لذته بمؤانسته، فتكون لذة هؤلاء في مطالعة عجائب الملكوت على الدوام أعظم من لذة من ينظر إلى أشجار الجنة وبساتينها بالعين الظاهرة، فإنَّ نعيم العارف وجنته: معرفته التي هي صفة ذاته يأمن زوالها، وهو أبداً يجني ثمارها، فهو بروحه وقلبه مغتذ بفاكهة علمه، وهي فاكهة غير مقطوعة ولا ممنوعة، بل قطوفها دانية، فهو وإن غمض العين الظاهرة، فروحه أبداً ترتع في جنة عالية، ورياض زاهرة، فإن فرض كثرة في العارفين لم يكونوا متحاسدين، بل كانوا كما قال فيهم رب العالمين: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}، فهذا حالهم وهم بعد في الدنيا، فماذا يظن بهم عند انكشاف الغطاء، ومشاهدة المحبوب في العقبى).
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه وصلى الله على نبينا محمد واله وصحبه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.