أحداث الأردن في سياق مشروع الفوضى الخلاقة
المبادرة الوطنية الأردنية
جورج حدادين
تعكس أحداث الأردن الأخيره الأزمة الشاملة الممتدة التي يعيشها الأردن، منذ أكثر من ثلاثة عقود ، الأحداث الجارية ليست بنت اللحظة، بل هي تفجير مفتعل لأزمة عميقة ممتدة، أزمة حكم ماقبل الدولة الحديثة، وأزمة نهج التبعية، أزمة تشكيلة اقتصادية – اجتماعية ريعية مستهلكة، وبسبب بنيتها تتوالد متتالية الأزمات، على كافة الصعد، أزمة سياسية، أزمة ثقافية، أزمة حضارية، ازمة مؤسسات رسمية وشعبية، أزمة البديل، وغياب مشروع الخروج من الأزمة.
استنتاج في المقدمة، الخلاصة،
· ما يحدث اليوم في الأردن، لم يأتي في سياق تطور طبيعي تراكمي لنضوج أزمة ولّدت إنفجار اجتماعي ذاتي، بل يأتي في سياق تفجير خارجي موجه وممنهج، ليقطع الطريق أمام الإنفجار المنتج لعملية التغيير الحقيقي، من هي القوى التي تقف خلف هذا التفجير؟ وما الهدف منه؟ كيف توظف حملة إعلامية مكثفة وآلية " صناعة القبول وثقافة القطيع" من أجل إحداث عملية استقطاب وهمي، على أرضية صراع داخل النهج ذاته، وبين قوى التبعية في الحكم، استقطاب يهدف الى حرف السخط المجتمعي العام عن النهج المأزوم، علة الأزمة، باتجاه صراع بين أطراف من داخل الحكم، ليس للشرائح الوطنية الكادحة والمنتجة فيه لا ناقة ولا جمل، سيما وأنه من الواضح ليس صراع بين مشاريع للخروج من الأزمة.
· تكمن خطورة الاستقطاب الوهمي هذا في الهدف غير المعلن، الذي تعمل على إنفاذه قوى الهيمنة، ويستشف من الحملة الإعلامية المرافقة، ألا وهو إحداث شرخ عامودي في المجتمع الأردني، عبر مقولة أن أحد طرفي الصراع يمثل العشائر الأردنية، بينما الطرف الثاني فأنه يمثل الأردنيين من أصول فلسطينية، والطرف الأول يرفض مشروع الوطن البديل " الوهمي" .
أنه صراع في سياق مشروع الفوضى الخلاقة، ومشروع الشرق الأوسط الجديد / الكبير، مشروع تفكيك الدول الوطنية وتفتيت المجتمعات وتصفية القضية الفلسطينية.
· لم يكن مصادفة أن تأتي الاحداث مباشرة بعد توقيع الإتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية، اتفاقية تعيد إنتاج الإستعمار المباشر، حيث الاستباحة الشاملة للسيادة الوطنية، وفي سياق إحتدام الصراع في العراق بين طرفين، من يطالب بخروج القوات الأمريكية والأجنبية من الأرض العراقية، ومن يطالب ببقاء هذه القوات وبمزيد من الإلتصاق بالمشروع الأمريكي ومحور " الاعتدال العربي" ، فالقوات الأمريكية المنسحبة ، أن حصل، من العراق سوف تتمركز وتتحرك على مجمل الأرض الأردنية، بالإستناد الى هذه الاتفاقية، وعلى الحدود مع العراق وسوريا، لمتابعة العدوان من الأرض الأردنية، ما يستجلب ذلك من رد ، يحوّل الأردن الى ساحة معركة، لا مصلحة لنا بها، لا بل ضد المصلحة الوطنية وتخدم فقط مشروع الهيمنة الأمريكية على المنطقة.
في أي سياق تأتي هذه الاتفاقية؟ ولماذا أصرت الإدارة الأمريكية على فرضها على الأردن في هذا الوقت بالذات؟ .
ما نلحظه في الآونه الأخيرة على الصعيد الوطني، خمود حراكات الشارع، وضعف الحراكات المطلبية للشرائح الوطنية الكادحة والمنتجة: العمالية والفلاحية وصغار الكسبة وصغار الموظفين ومربي المواشي والمحرومين والمهمشين والمعذبين والمفقرين،
وما نلمسه أن شروط التغيير الحقيقي لم تتوفر بعد، وما جرى من أحداث هو تفجير غير طبيعي مفتعل، ويقع خارج الفعل الذاتي لقوى التغيير الوطني، أي أن الاحداث الجارية لا تعكس ولا بأي حال لحظة نضوج الأزمة وانفجارها الطبيعي، لماذا ؟
لأن مسار التغيير الحقيقي يخضع لقوانين علمية ، ومعطيات محددة، وفي مقدمتها فعل قانون تراكم النضال، على أرضية مشروع تغيير وطني، يقود الى التغيير، كما علمنا التاريخ القديم والمعاصر، والتغيير يشترط، إما وجود حزب ثوري أو تحالف أحزاب سياسية ثورية تمتلك برنامج وتقود عملية التغيير، وإما قوى شعبية اجتماعية مهيئة للتغيير، تقودها كرزما تاريخية، وفي الوقت الراهن لا وجود لحزب أو مجموعة أحزاب ثورية ( الأحزاب الأردنية القائمة اصلاحية) والشخصية الكرزمية غير حاضرة.
والتغيير يشترط وجود مشروع وطني تحمله قوى اجتماعية وسياسية ومؤسسات جماهيرية، تبلور حامل اجتماعي لمشروع التغيير، وبيئة حاضنة لعملية التغيير ، وثقافة وطنية تستند الى الأرث الحضاري التاريخي، ووعي جمعي بأهمية التغيير، فهل هذه الشروط متوفرة؟ الجواب بالتأكيد كلا.
أذن في أي سياق تأتي هذه الأحداث.
معطى لا يمكن تجاوزه في أي حوار، الأحداث في الأردن ليست بمعزل عما يجري في المنطقة وفي العالم،
· على الصعيد المحلي أزمة خانقة تسحق كافة الشرائح الوطنية الكادحة والمنتجة والمجموعات المفقرة والمهمشة، وتسحق الشبيبة والنساء والطلبة، ومما يزيد الطين بلة، سيادة نهج، لم يتغيير بالرغم من الأزمة الطاحنة، يقوم على مبدأ " يجزي الأغنياء ويعاقب الفقراء" أنتج انزياحات هائلة للثروة والدخل الوطني من يد المجتمع ليد أفراد وعائلات ولصوص المال العام، ومن يد الدولة ليد المؤسسات المالية، الطغمة المالية صاحبة القرار في الواقع وعلى الأرض، نتج عنه تمركز للسلطة والثروة في يد أقلية.
ولّد هذا النهج حالة من الفقر غير مسبوقة، ونسبة بطالة مرتفعة جداً، وتردي الرعاية الصحية والتعليمية، ونمو آفات اجتماعية لم تكن موجودة في المجتمع الأردني، كل ذلك ولّد ويولّد احتقان شعبي غير مسبوق، وسخط عام شمل الدولة والمجتمع، نتيجة شعور المجتمع بالعجز عن التغيير، ورفض قوى التبعية ، في الحكم وفي السوق، المطلق لتغيير النهج، لا بل رفض حتى الاصلاحات التي تنادي بها شخصيات، من داخل الحكم ومن خارجه، يعتبرونها ضرورة ملحة من أجل إنقاذ الحكم ذاته، فأصبح الجميع مرغم على البحث، بشكل محموم، عن مخرج من المأزق، حتى ولو كان مخرجاً وهمياً، وذلك نتيجة غياب الوعي الحقيقي.
· على الصعيد الأقليمي يحتدم الصراع بين محورين وبين مشروعين، مشروع التحرر ومشروع الهيمنة، التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي من سلطة المركز الرأسمالي العالمي وقوى التبعية المحلية، الذي يمارس عمليات نهب وسلب لثرواتنا الطبيعية ومقدراتنا الوطنية وتمارس القوى التابعة، قوى التبعية في الحكم وفي السوق، النهب والقمع الداخلي، صراع بين قوى المقاومة وحركات التحرر الوطني والاجتماعي من طرف، وقوى الهيمنة واتباعها في الداخل والكيان الصهيوني، من طرف آخر.
ويبدو أن مراكز الأبحاث العلمية، في المركز، قد التقطت حقيقة أن محور المقاومة جمع نقاط كثيرة لصالحه في هذا الصراع، في كل من سوريا ولبنان والعراق واليمن وفلسطين، وإيران، فوجهت الإدارة الأمريكية باتجاه تعزيز مواقعها وموقع الكيان الصهيوني في المنطقة،عبر إعلان التحالف، غير المقدس، بين الكيان الصهيوني وأنظمة التبعية العربية ( ليس تطبيع) والعمل على اشعال حرب ضد إيران، بعقول غربية وسواعد عربية و " إسرائيلية" لصالح الطغمة المالية العالمية، والشركات متعدية الجنسيات، وإنفاذ مشروع الشرق الأوسط الجديد / الكبير، وتصفية القضية الفلسطينية، ويبدو أن نقطة الضعف في محور المقاومة تكمن في الحلقة العراقية، حيث الصراع بين كتلتين وازنتين، الأحزاب الطائفية الحاكمة والمقاومة، والسيطرة على العراق، من قبل الجانب الأمريكي، سيمكن من قطع التواصل بين سوريا ولبنان وإيران، أو احتواء العراق من قبل محور مصر الأردن و/ او محور السعودية الإمارات.
· على الصعيد العالمي تصعيد الولايات المتحدة، ومعها دول أوروبية وأسيوية، الهجوم على الصين وروسيا، وتطويقهما بقواعد عسكرية وقوات بحرية وبرية، تصعيد في أوكرانيا والبحر الأسود وعلى القطب المتجمد الشمالي، وفي بحر الصين.
في منطقتنا يدور الصراع حول طريق الحرير، المشروع الصيني العملاق، الذي سيمكن من إحداث نقلة نوعية في العلاقات الاقتصادية العالمية، وعلى النقيض من مشروع الهيمنة الرأسمالي، القائم على الاستغلال وحلب المجتمعات.
السيطرة على العراق يعني قطع طريق الحرير في منتصفه، حيث توقيع الاتفاقية الصينية الإيرانية الإستراتيجية مثلت صفعة مدوية لمشروع الشرق الأوسط الجديد، ومخططات الولايات المتحدة الساعية لتأمين وضمان ديمومة الهيمنة على المنطقة.
لماذا فرضت الإدارة الأمريكية على الأردن توقيع الإتفاقية الأمنية، في هذا الوقت بالذات، أولاً لضرورات أمنية واقتصادية وسياسية، وثانياً نتيجة معرفتها التامة بحالة العجز التي يعيشها المجتمع الأردني، وأن الظرف المتاح قد لا يعوض في المستقبل، وهشاشة ردات الفعل المتوقعة على هذه الاتفاقية، فلم تجد ما يمنع من فرضها.
لقد اسقط شعبنا الأردني والدول العربية الوطنية مشروع حلف بغداد، منتصف القرن الماضي، فعلينا ألا نسمح بإعادة احياء هذا الحلف في القرن الواحد والعشرين.
رفض الاتفاقية الأمنية التي تنتهك السيادة الوطنية، والتي لا تخدم إلا مصالح التحالف الأمريكي الصهيوني وقوى التبعية العربية، وعلى حساب الكرامة الوطنية، والتي تتكامل مع اتفاقية وادي عربة، من الغرب ومن الشرق يتم الاطباق على الأردن.
وعي أبعاد الأحداث الجارية في هذه الأيام، الحذر كل الحذر من الإنغماس في هذا الاستقطاب الوهمي، استقطاب لا يخدم مشروع الخروج من الأزمة الطاحنة التي يعشها مجتمعنا الأردني، بل تأبيد استمرار الأزمة.
" كلكم للوطن والوطن لكم "
المبادرة الوطنية الأردنية
جورج حدادين
تعكس أحداث الأردن الأخيره الأزمة الشاملة الممتدة التي يعيشها الأردن، منذ أكثر من ثلاثة عقود ، الأحداث الجارية ليست بنت اللحظة، بل هي تفجير مفتعل لأزمة عميقة ممتدة، أزمة حكم ماقبل الدولة الحديثة، وأزمة نهج التبعية، أزمة تشكيلة اقتصادية – اجتماعية ريعية مستهلكة، وبسبب بنيتها تتوالد متتالية الأزمات، على كافة الصعد، أزمة سياسية، أزمة ثقافية، أزمة حضارية، ازمة مؤسسات رسمية وشعبية، أزمة البديل، وغياب مشروع الخروج من الأزمة.
استنتاج في المقدمة، الخلاصة،
· ما يحدث اليوم في الأردن، لم يأتي في سياق تطور طبيعي تراكمي لنضوج أزمة ولّدت إنفجار اجتماعي ذاتي، بل يأتي في سياق تفجير خارجي موجه وممنهج، ليقطع الطريق أمام الإنفجار المنتج لعملية التغيير الحقيقي، من هي القوى التي تقف خلف هذا التفجير؟ وما الهدف منه؟ كيف توظف حملة إعلامية مكثفة وآلية " صناعة القبول وثقافة القطيع" من أجل إحداث عملية استقطاب وهمي، على أرضية صراع داخل النهج ذاته، وبين قوى التبعية في الحكم، استقطاب يهدف الى حرف السخط المجتمعي العام عن النهج المأزوم، علة الأزمة، باتجاه صراع بين أطراف من داخل الحكم، ليس للشرائح الوطنية الكادحة والمنتجة فيه لا ناقة ولا جمل، سيما وأنه من الواضح ليس صراع بين مشاريع للخروج من الأزمة.
· تكمن خطورة الاستقطاب الوهمي هذا في الهدف غير المعلن، الذي تعمل على إنفاذه قوى الهيمنة، ويستشف من الحملة الإعلامية المرافقة، ألا وهو إحداث شرخ عامودي في المجتمع الأردني، عبر مقولة أن أحد طرفي الصراع يمثل العشائر الأردنية، بينما الطرف الثاني فأنه يمثل الأردنيين من أصول فلسطينية، والطرف الأول يرفض مشروع الوطن البديل " الوهمي" .
أنه صراع في سياق مشروع الفوضى الخلاقة، ومشروع الشرق الأوسط الجديد / الكبير، مشروع تفكيك الدول الوطنية وتفتيت المجتمعات وتصفية القضية الفلسطينية.
· لم يكن مصادفة أن تأتي الاحداث مباشرة بعد توقيع الإتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية، اتفاقية تعيد إنتاج الإستعمار المباشر، حيث الاستباحة الشاملة للسيادة الوطنية، وفي سياق إحتدام الصراع في العراق بين طرفين، من يطالب بخروج القوات الأمريكية والأجنبية من الأرض العراقية، ومن يطالب ببقاء هذه القوات وبمزيد من الإلتصاق بالمشروع الأمريكي ومحور " الاعتدال العربي" ، فالقوات الأمريكية المنسحبة ، أن حصل، من العراق سوف تتمركز وتتحرك على مجمل الأرض الأردنية، بالإستناد الى هذه الاتفاقية، وعلى الحدود مع العراق وسوريا، لمتابعة العدوان من الأرض الأردنية، ما يستجلب ذلك من رد ، يحوّل الأردن الى ساحة معركة، لا مصلحة لنا بها، لا بل ضد المصلحة الوطنية وتخدم فقط مشروع الهيمنة الأمريكية على المنطقة.
في أي سياق تأتي هذه الاتفاقية؟ ولماذا أصرت الإدارة الأمريكية على فرضها على الأردن في هذا الوقت بالذات؟ .
ما نلحظه في الآونه الأخيرة على الصعيد الوطني، خمود حراكات الشارع، وضعف الحراكات المطلبية للشرائح الوطنية الكادحة والمنتجة: العمالية والفلاحية وصغار الكسبة وصغار الموظفين ومربي المواشي والمحرومين والمهمشين والمعذبين والمفقرين،
وما نلمسه أن شروط التغيير الحقيقي لم تتوفر بعد، وما جرى من أحداث هو تفجير غير طبيعي مفتعل، ويقع خارج الفعل الذاتي لقوى التغيير الوطني، أي أن الاحداث الجارية لا تعكس ولا بأي حال لحظة نضوج الأزمة وانفجارها الطبيعي، لماذا ؟
لأن مسار التغيير الحقيقي يخضع لقوانين علمية ، ومعطيات محددة، وفي مقدمتها فعل قانون تراكم النضال، على أرضية مشروع تغيير وطني، يقود الى التغيير، كما علمنا التاريخ القديم والمعاصر، والتغيير يشترط، إما وجود حزب ثوري أو تحالف أحزاب سياسية ثورية تمتلك برنامج وتقود عملية التغيير، وإما قوى شعبية اجتماعية مهيئة للتغيير، تقودها كرزما تاريخية، وفي الوقت الراهن لا وجود لحزب أو مجموعة أحزاب ثورية ( الأحزاب الأردنية القائمة اصلاحية) والشخصية الكرزمية غير حاضرة.
والتغيير يشترط وجود مشروع وطني تحمله قوى اجتماعية وسياسية ومؤسسات جماهيرية، تبلور حامل اجتماعي لمشروع التغيير، وبيئة حاضنة لعملية التغيير ، وثقافة وطنية تستند الى الأرث الحضاري التاريخي، ووعي جمعي بأهمية التغيير، فهل هذه الشروط متوفرة؟ الجواب بالتأكيد كلا.
أذن في أي سياق تأتي هذه الأحداث.
معطى لا يمكن تجاوزه في أي حوار، الأحداث في الأردن ليست بمعزل عما يجري في المنطقة وفي العالم،
· على الصعيد المحلي أزمة خانقة تسحق كافة الشرائح الوطنية الكادحة والمنتجة والمجموعات المفقرة والمهمشة، وتسحق الشبيبة والنساء والطلبة، ومما يزيد الطين بلة، سيادة نهج، لم يتغيير بالرغم من الأزمة الطاحنة، يقوم على مبدأ " يجزي الأغنياء ويعاقب الفقراء" أنتج انزياحات هائلة للثروة والدخل الوطني من يد المجتمع ليد أفراد وعائلات ولصوص المال العام، ومن يد الدولة ليد المؤسسات المالية، الطغمة المالية صاحبة القرار في الواقع وعلى الأرض، نتج عنه تمركز للسلطة والثروة في يد أقلية.
ولّد هذا النهج حالة من الفقر غير مسبوقة، ونسبة بطالة مرتفعة جداً، وتردي الرعاية الصحية والتعليمية، ونمو آفات اجتماعية لم تكن موجودة في المجتمع الأردني، كل ذلك ولّد ويولّد احتقان شعبي غير مسبوق، وسخط عام شمل الدولة والمجتمع، نتيجة شعور المجتمع بالعجز عن التغيير، ورفض قوى التبعية ، في الحكم وفي السوق، المطلق لتغيير النهج، لا بل رفض حتى الاصلاحات التي تنادي بها شخصيات، من داخل الحكم ومن خارجه، يعتبرونها ضرورة ملحة من أجل إنقاذ الحكم ذاته، فأصبح الجميع مرغم على البحث، بشكل محموم، عن مخرج من المأزق، حتى ولو كان مخرجاً وهمياً، وذلك نتيجة غياب الوعي الحقيقي.
· على الصعيد الأقليمي يحتدم الصراع بين محورين وبين مشروعين، مشروع التحرر ومشروع الهيمنة، التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي من سلطة المركز الرأسمالي العالمي وقوى التبعية المحلية، الذي يمارس عمليات نهب وسلب لثرواتنا الطبيعية ومقدراتنا الوطنية وتمارس القوى التابعة، قوى التبعية في الحكم وفي السوق، النهب والقمع الداخلي، صراع بين قوى المقاومة وحركات التحرر الوطني والاجتماعي من طرف، وقوى الهيمنة واتباعها في الداخل والكيان الصهيوني، من طرف آخر.
ويبدو أن مراكز الأبحاث العلمية، في المركز، قد التقطت حقيقة أن محور المقاومة جمع نقاط كثيرة لصالحه في هذا الصراع، في كل من سوريا ولبنان والعراق واليمن وفلسطين، وإيران، فوجهت الإدارة الأمريكية باتجاه تعزيز مواقعها وموقع الكيان الصهيوني في المنطقة،عبر إعلان التحالف، غير المقدس، بين الكيان الصهيوني وأنظمة التبعية العربية ( ليس تطبيع) والعمل على اشعال حرب ضد إيران، بعقول غربية وسواعد عربية و " إسرائيلية" لصالح الطغمة المالية العالمية، والشركات متعدية الجنسيات، وإنفاذ مشروع الشرق الأوسط الجديد / الكبير، وتصفية القضية الفلسطينية، ويبدو أن نقطة الضعف في محور المقاومة تكمن في الحلقة العراقية، حيث الصراع بين كتلتين وازنتين، الأحزاب الطائفية الحاكمة والمقاومة، والسيطرة على العراق، من قبل الجانب الأمريكي، سيمكن من قطع التواصل بين سوريا ولبنان وإيران، أو احتواء العراق من قبل محور مصر الأردن و/ او محور السعودية الإمارات.
· على الصعيد العالمي تصعيد الولايات المتحدة، ومعها دول أوروبية وأسيوية، الهجوم على الصين وروسيا، وتطويقهما بقواعد عسكرية وقوات بحرية وبرية، تصعيد في أوكرانيا والبحر الأسود وعلى القطب المتجمد الشمالي، وفي بحر الصين.
في منطقتنا يدور الصراع حول طريق الحرير، المشروع الصيني العملاق، الذي سيمكن من إحداث نقلة نوعية في العلاقات الاقتصادية العالمية، وعلى النقيض من مشروع الهيمنة الرأسمالي، القائم على الاستغلال وحلب المجتمعات.
السيطرة على العراق يعني قطع طريق الحرير في منتصفه، حيث توقيع الاتفاقية الصينية الإيرانية الإستراتيجية مثلت صفعة مدوية لمشروع الشرق الأوسط الجديد، ومخططات الولايات المتحدة الساعية لتأمين وضمان ديمومة الهيمنة على المنطقة.
لماذا فرضت الإدارة الأمريكية على الأردن توقيع الإتفاقية الأمنية، في هذا الوقت بالذات، أولاً لضرورات أمنية واقتصادية وسياسية، وثانياً نتيجة معرفتها التامة بحالة العجز التي يعيشها المجتمع الأردني، وأن الظرف المتاح قد لا يعوض في المستقبل، وهشاشة ردات الفعل المتوقعة على هذه الاتفاقية، فلم تجد ما يمنع من فرضها.
لقد اسقط شعبنا الأردني والدول العربية الوطنية مشروع حلف بغداد، منتصف القرن الماضي، فعلينا ألا نسمح بإعادة احياء هذا الحلف في القرن الواحد والعشرين.
رفض الاتفاقية الأمنية التي تنتهك السيادة الوطنية، والتي لا تخدم إلا مصالح التحالف الأمريكي الصهيوني وقوى التبعية العربية، وعلى حساب الكرامة الوطنية، والتي تتكامل مع اتفاقية وادي عربة، من الغرب ومن الشرق يتم الاطباق على الأردن.
وعي أبعاد الأحداث الجارية في هذه الأيام، الحذر كل الحذر من الإنغماس في هذا الاستقطاب الوهمي، استقطاب لا يخدم مشروع الخروج من الأزمة الطاحنة التي يعشها مجتمعنا الأردني، بل تأبيد استمرار الأزمة.
" كلكم للوطن والوطن لكم "