ما بين نظام الرقيق قديما وما بين نظام الاسترقاق الراسمالي للبشر حديثا
كانت مسوغات ودواعي الرق قديما :-
1- الاستضعاف كان يجدوا انسانا وحيدا فيسترقونه ويبيعونه كما حصل مع سيدنا يوسف عليه السلام، وكما حصل مع سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه .
2- كان الاسترقاق عقوبة للسارق اذا ضبطت المسروقات بحوزته.
3- كانوا يسترقون الاسرى في الحروب ان لم يجدوا من يفتديهم .
4- كانوا يغيرون على الاقوام الضعيفة و يصطادون ابنائهم ونسائهم ويسترقونهم ...
5- بيع بعض الاسر الفقيرة اولادهم ليعتاشوا باثمانهم
6- هبة بعض الاسر ابنائهم للاسر الغنية كرقيق ليؤمنوا لهم عيشا في كنف تلك الاسر
7- نصب الكمائن لاصطياد الناس وبيعهم كرقيق كما حصل في فترة الاستعمار الاوروبي للامريكيتين
وكان يترتب على الرقيق خدمة سيده الذي اقتناه وخدمة امواله وممتلكاته وصناعته، حيث كان الرقيق هو اليد العاملة وعلى كواهل الرقيق يقوم النظام الاقتصادي ويزدهر ...
وكان العبيد في المقابل يزوجهم اسيادهم ليتكاثروا ويتكفل الاسياد بمعيشتهم وتطبيبهم وكسوتهم وتامين الغذاء والشراب لهم ، ويمنعونهم من الاعتداء من الاخرين عليهم ...
وهذا النظام الذي كان سائدا في العالم منذ الاف السنين يوم قدم الاسلام، فوضع له سياسة للتخلص منه مع طول الامد والتحول عن نظام الاسترقاق الى نظام الاجارة في القيام بالاعمال .
النظام الراسمالي اليوم والذي هو نسخة مسخ عن النظام الاقطاعي استرق البشر جميعا ليكونوا في خدمة المال و الانتاج دون ان يكفل لهم اسباب الحياة ... واثقل كاهل الموظف والعامل بالضرائب والاقتطاعات المالية
في حين تغولت العصابات والشركات الراسمالية في المجتمعات المسترقة لها، وقهرت الناس بان تملكت ارادتهم حيث لم تبق للمواطن خيارا الا ان يكون عبدا باختياره وارادته وطلبه، فيسعى جاهدا للحصول على وظيفة مستخدم في ملاك جهة معينة او شركة ما .... غايته الحصول على ما يقيم به اوده واود عياله الذين يعولهم .. فيخصصون له مرتبا شهريا لا يكفيه ولا يغطي متطلبات حياته .. فيتحول الى مستغل لوظيفته فيسرق او يختلس ان كان موظف شركة او مؤسسة ، وان كان موظفا عاما في القطاع الحكومي يفتح باب الرشوة و يلجه ، فلا يؤدي خدمة مطلوبة منه الا الا برشوة...
وهنا يحظرني حديث النبي سلام الله عليه واله : " من ولي لنا عملاً فلم يكن له زوجة فليتزوج، أو خادماً فليتخذ خادماً، أو مسكناً فليتخذ مسكناً، أو دابة فليتخذ دابة، فمن أصاب شيئاً سوى ذلك فهو غال أو سارق ". اخرجه ابن حبان في صحيحه وصححه الحاكم والذهبي وغيرهم...
فنلاحظ ان الموظف العام يجب ان يكفى ويتكفل له بما يغنيه عن الالتفات لما في جيوب الناس وايديهم ليكون خادما امينا لهم و محققا لمصالحههم.
اما في قضية تحديد الاجور فان الفاعدة الشرعية فيها : (الاجر على قدر المشقة) اي على قدر الجهد المبذول والوقت اللازم لانجاز العمل المطلوب.
والاصل في التوظيف والتعيينات ان ينتقى للوظيفة والعمل الاصلح لاداءه والقيام به، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم { : من ولي من أمر المسلمين شيئا ، فولى رجلا وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله } . وفي رواية : { من قلد رجلا عملا على عصابة ، وهو يجد في تلك العصابة أرضى منه ، فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين } رواه الحاكم في صحيحه . وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : من ولي من أمر المسلمين شيئا فولى رجلا لمودة أو قرابة بينهما ، فقد خان الله ورسوله والمسلمين . وقال ابن تيمية رحمه الله صاحب كتاب السياسة الشرعية في اصلاح الراعي والرعية (ص18) ما نصه: فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره ، لأجل قرابة بينهما ، أو ولاء عتاقة أو صداقة ، أو موافقة في بلد أو مذهب أو طريقة أو جنس ، كالعربية والفارسية والتركية والرومية ، أو لرشوة يأخذها منه من مال أو منفعة ، أو غير ذلك من الأسباب ، أو لضغن في قلبه على الأحق ، أو عداوة بينهما ، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ، ودخل فيما نهي عنه في قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون } .
وبهذه المقتطفات يظهر لنا جليا ان لا توافق بين شريعتنا التي جاءت لتكرم الانسان على العالمين، وبين شرائع الراسمالية النفعية المصلحية المادية العفنة ، التي تسترق الانسان لصالح المتغولين من ارباب المال، وتستنزف كرامته وتستغل طاقاته وتهدرها ليستفيد منها غيره، ليبقى هو يعيش حالة الفقر والتردي مهدور القيمة والكرامة، مأسور الارادة وفاقد الاختيار ، ليبقى عبدا مسترقا للمترفين ....
ان الاسلام بقرانه العظيم وتشريعه الحكيم جعل العدل اساسا للملك واساسا لقوام الحياة الكريمة للبشر ، فقد قال تعالى في كتابه الكريم :-
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) النساء135
وقال أيضا تبارك وتعالى :-
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) المائدة8
ولما كان العدل أساساً للملك واستقامة الحياة، وبه يستقيم أمر الدنيا والآخرة . فقد أخبرنا الرسول ما مفاده أن هلاك الأقوام يتأتى من عدم إقامة العدل فيها ، ففي واقعة المرأة المخزومية عندما لجأ قوم آنذاك إلى أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكي يشفع لها عند رسول الله، إذ غضب صلى الله عليه واله وسلم وقال له " أتشفع في حد من حدود الله ؟!" ثم قال " إنما اهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد ، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ".
وفي المقابل ان الاسلام كنظام حياة للبشر قد كفل لجميع افراد رعيته مستلزمات الحياة الكريمة ، فقد نقل أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال، وابن زنجويه في كتاب الأموال ـ وتناقله كثير من أهل العلم ـ منهم الإمام السيوطي في جامع الأحاديث، وابن القيم في أحكام أهل الذمة وصاحب كنز العمال : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يسير يوماً في الطريق متفقدا رعيته، فرأى رجلاً كهلا يتسول، فقال له مالك يا شيخ؟ فقال الرجل: أنا يهودي وأتسول لأدفع الجزية، فقال عمر: والله اذا ما انصفناك، نأخذ منك شاباً ثم نضيعك شيخاً، والله لأعطينك من بيت مال المسلمين، وأعطاه عمر ـ رضي الله عنه ـ من بيت مال المسلمين ما يكفيه .
هذا هو الاسلام الحق الذي يؤمن الحياة الكريمة لكل البشر ، ولكي يؤتي اكله ويثمر، لا بد من تطبيقه دون خلطه بغيره، لان خلط الطاهر بالنجس يفسده.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2022-12-08, 12:22 am عدل 1 مرات