من ذاكرة الايام
في منتصف عقد الثمانينات من القرن المنصرم ، كنت خطيبا متطوعا لمسجد مخيم الطالبة الكبير، حيث كان اكبر مسجد في لواء الجيزة جنوب عمان، ويؤمه الاف المصلين يوم الجمعة لدرجة انه كانوايُغلقون الشوارع التي امام المسجد ويصلي الناس في الشوارع ....
تسربت للناس دعاية اخذت تقوى وتنتشر يوما بعد يوم ،مفادها ان الامم المتحدة ستقوم بتعويض اللاجئين الذين يحملون كرت لاجيء عن بلادهم، او عودتهم، لذا يتوجب عليهم تجديد بطاقات وكروت اللجوء التي تثبت لجوءهم ، وعليهم ان ينسخ ابناءهم كروتا جديدة .... واخذ الاعلام وقتها يدندن حول الموضوع على استحياء !!!!
المصيبة الكبرى ان الناس و كما يقول البدو: مثل الاغنام حين يتح لها الراعي الى المعالف - يتح لها اي يدعيها - ... تهجم بتزاحم قد يؤذيها حتى و لو كانت المعالف فارغة ...فيمسكها الحلابون فيحلبونها ....
وهذا ما حصل ... هجم الناس وهرعوا الى مكاتب وكالة الغوث يجددون كروتهم وينسخون كروتا لابناءهم وبناتهم ... وربما حصلت مشاكل بين الاصهار والانسباء على حق التعويض المزعوم ودعايته !!! ودام هذا الحال عدة اشهر ...
في احدى الجمع اذكر انني صعدت المنبر ونبهت الناس الى ان الامر دعاية تخفي مكيدة فلا تقعوا في مصائد الاعداء ، وبينت لهم ان الرضى بالتعويض عن الارض المقدسة واقصاها انما هو تنازل عن مقدسات هي جزء من العقيدة وبيع لقضيتكم ومقدساتكم التي تحضرون لقبض تمنها بالدولارات الشنط والاكياس ... وان هذه الدعاية للتعويض -البيع والتنازل- او ما يُسمى بحق العودة- كلاهما اعتراف بالكيان الغاصب وتمهيدا للاعتراف به رسميا والتفاوض معه ... وهذا ما لا تجيزه الشريعة لا احكاما ولا عقيدة ...
وبينت للناس ان الصفوف الطويلة على ابواب مكاتب وكالة الغوث، ما هي الا استفتاء لكم على انهاء وتصفية قضيتكم المقدسة، التي بعدها سيتجرأ العابثون بالعبث بها وتصفيتها وانتم تصفقون، وسيقبض الثمن الثوريون المتكرشون، والسماسرة المترفون، ولن تنالوا منهم قطميرا .. فتبوؤا بغضب الرب والافلاس مما في ايدي العبد ...
طبعا بعد الصلاة تباينت الاراء بين مؤيد ومعارض ومحتار ، ودارت نقاشات طويلة خاصة مع جمهور منتفعي وبلطيجية الثورة ... لا يتسع المجال لذكرها هنا ....
يومها سرب لي مدير المخيم - رحمه الله - معلومة وقال لي اعتبرها دعوة لك ولا تخبر احدا اني اخبرتك لتحضر يوم الاحد القادم ، فهناك وفد قادم من هيئة الامم ممثل لعدة دول منها بريطانيا وامريكا وكندا واستراليا واليابان وفرنسا وغيرها ...
وفعلا حضرت يوم الاحد فكان اجتماعا حاشدا للوجهاء والمخاتير وذوي الهيئات وغيرهم ...
وتحدث كل من الممثل البريطاني ثم الامريكي وقموا انفسهم على انهم جاءوا مع مرافقيهم ممثلين للامم المتحدة ليتحسسوا مشاكل الناس ومعيشتهم في المخيمات ليرفعوا التوصيات بحلها ...
وطلبوا من الناس ابداء مطالبهم لتحسين وضع المخيم !!
وبدأ بعض المتحدثين يطالبون ويعرضون مطالبهم لتحسين المخيم وطرقاته وزقاقه ....!!!
هالني ما سمعت من شعب القضية..فوقفت ورفعت يدي فاذنوا لي بالحديث : فافتحت حديثي باللغة الانجليزية التي كنت فيما سبق اجيدها الى حد ما.... فكان مما اذكر اني قلته لهم : ان العرب ترحب بالضيف وتكرمه ،ولكنهم لا يرحبون بالجواسيس ويحقرونهم ... وانتم هنا جواسيس جئتم تستطلعون الرأي العام الى اي مدىً وصل... فلا اهلا ولا مرحبا بكم ..
هذا اولا : اما ثانيا فان ما نعانيه في المخيمات هو بسببكم فانتم من انشأ كيان الاحتلال وانتم من ساعده ومازال يقوي وجوده ويتسب في معاناتنا ...
مطلبنا الوحيد ان ترفعوا ايديكم عن المحتل تسحبوا اعترافكم بكيانه، وتتوقفوا عن دعمه، وعن التسبب في زيادة معاناتنا ان كنتم صادقين في اشفاقكم على هذا الشعب الدولكم شاركت في تشريده ...
لا نريد تعويضا عن مقدساتنا وارضنا المقدسة ودمائنا من احد.. ولا نريد تحسين اوضاع التشريد واللجوء ..
وكان الدكتور حسين المصري - رحمه الله تعالى ، يترجم ما اقوله للناس، ومن ستر الله يومها ان الناس فورا ايدوا ما اقول، ومن ثم اختلف الخطاب وحملوا بريطانيا وفرنسا وامريكا المسؤولية عما هم فيه ...
لكن الناس مع كل اسف لم يتراجعوا عن تجديد كرتات المؤن وتناسخها ... ثم كانت اوسلو الكارثية في التاريخ النضالي للشعب المقاوم المجاهد ... والتي تلتها اتفاقيات العربان بحجة ان اهل القضية قد حلوا مع عدوهم .. وها هي سلطتهم تمثلهم في نوال حقوقهم بالتفاوض ، والغت وحرمت المقاومة ورفع السلاح في وجه العدو الذي يعيث في الارض خرابا ودمارا وفي اهلها افسادا .....!!!!!!
لك الله يا امتنا............
اللهم ارزق امتنا الصحوة الحقيقية لا صحوة الاحلام في المنام .....
في منتصف عقد الثمانينات من القرن المنصرم ، كنت خطيبا متطوعا لمسجد مخيم الطالبة الكبير، حيث كان اكبر مسجد في لواء الجيزة جنوب عمان، ويؤمه الاف المصلين يوم الجمعة لدرجة انه كانوايُغلقون الشوارع التي امام المسجد ويصلي الناس في الشوارع ....
تسربت للناس دعاية اخذت تقوى وتنتشر يوما بعد يوم ،مفادها ان الامم المتحدة ستقوم بتعويض اللاجئين الذين يحملون كرت لاجيء عن بلادهم، او عودتهم، لذا يتوجب عليهم تجديد بطاقات وكروت اللجوء التي تثبت لجوءهم ، وعليهم ان ينسخ ابناءهم كروتا جديدة .... واخذ الاعلام وقتها يدندن حول الموضوع على استحياء !!!!
المصيبة الكبرى ان الناس و كما يقول البدو: مثل الاغنام حين يتح لها الراعي الى المعالف - يتح لها اي يدعيها - ... تهجم بتزاحم قد يؤذيها حتى و لو كانت المعالف فارغة ...فيمسكها الحلابون فيحلبونها ....
وهذا ما حصل ... هجم الناس وهرعوا الى مكاتب وكالة الغوث يجددون كروتهم وينسخون كروتا لابناءهم وبناتهم ... وربما حصلت مشاكل بين الاصهار والانسباء على حق التعويض المزعوم ودعايته !!! ودام هذا الحال عدة اشهر ...
في احدى الجمع اذكر انني صعدت المنبر ونبهت الناس الى ان الامر دعاية تخفي مكيدة فلا تقعوا في مصائد الاعداء ، وبينت لهم ان الرضى بالتعويض عن الارض المقدسة واقصاها انما هو تنازل عن مقدسات هي جزء من العقيدة وبيع لقضيتكم ومقدساتكم التي تحضرون لقبض تمنها بالدولارات الشنط والاكياس ... وان هذه الدعاية للتعويض -البيع والتنازل- او ما يُسمى بحق العودة- كلاهما اعتراف بالكيان الغاصب وتمهيدا للاعتراف به رسميا والتفاوض معه ... وهذا ما لا تجيزه الشريعة لا احكاما ولا عقيدة ...
وبينت للناس ان الصفوف الطويلة على ابواب مكاتب وكالة الغوث، ما هي الا استفتاء لكم على انهاء وتصفية قضيتكم المقدسة، التي بعدها سيتجرأ العابثون بالعبث بها وتصفيتها وانتم تصفقون، وسيقبض الثمن الثوريون المتكرشون، والسماسرة المترفون، ولن تنالوا منهم قطميرا .. فتبوؤا بغضب الرب والافلاس مما في ايدي العبد ...
طبعا بعد الصلاة تباينت الاراء بين مؤيد ومعارض ومحتار ، ودارت نقاشات طويلة خاصة مع جمهور منتفعي وبلطيجية الثورة ... لا يتسع المجال لذكرها هنا ....
يومها سرب لي مدير المخيم - رحمه الله - معلومة وقال لي اعتبرها دعوة لك ولا تخبر احدا اني اخبرتك لتحضر يوم الاحد القادم ، فهناك وفد قادم من هيئة الامم ممثل لعدة دول منها بريطانيا وامريكا وكندا واستراليا واليابان وفرنسا وغيرها ...
وفعلا حضرت يوم الاحد فكان اجتماعا حاشدا للوجهاء والمخاتير وذوي الهيئات وغيرهم ...
وتحدث كل من الممثل البريطاني ثم الامريكي وقموا انفسهم على انهم جاءوا مع مرافقيهم ممثلين للامم المتحدة ليتحسسوا مشاكل الناس ومعيشتهم في المخيمات ليرفعوا التوصيات بحلها ...
وطلبوا من الناس ابداء مطالبهم لتحسين وضع المخيم !!
وبدأ بعض المتحدثين يطالبون ويعرضون مطالبهم لتحسين المخيم وطرقاته وزقاقه ....!!!
هالني ما سمعت من شعب القضية..فوقفت ورفعت يدي فاذنوا لي بالحديث : فافتحت حديثي باللغة الانجليزية التي كنت فيما سبق اجيدها الى حد ما.... فكان مما اذكر اني قلته لهم : ان العرب ترحب بالضيف وتكرمه ،ولكنهم لا يرحبون بالجواسيس ويحقرونهم ... وانتم هنا جواسيس جئتم تستطلعون الرأي العام الى اي مدىً وصل... فلا اهلا ولا مرحبا بكم ..
هذا اولا : اما ثانيا فان ما نعانيه في المخيمات هو بسببكم فانتم من انشأ كيان الاحتلال وانتم من ساعده ومازال يقوي وجوده ويتسب في معاناتنا ...
مطلبنا الوحيد ان ترفعوا ايديكم عن المحتل تسحبوا اعترافكم بكيانه، وتتوقفوا عن دعمه، وعن التسبب في زيادة معاناتنا ان كنتم صادقين في اشفاقكم على هذا الشعب الدولكم شاركت في تشريده ...
لا نريد تعويضا عن مقدساتنا وارضنا المقدسة ودمائنا من احد.. ولا نريد تحسين اوضاع التشريد واللجوء ..
وكان الدكتور حسين المصري - رحمه الله تعالى ، يترجم ما اقوله للناس، ومن ستر الله يومها ان الناس فورا ايدوا ما اقول، ومن ثم اختلف الخطاب وحملوا بريطانيا وفرنسا وامريكا المسؤولية عما هم فيه ...
لكن الناس مع كل اسف لم يتراجعوا عن تجديد كرتات المؤن وتناسخها ... ثم كانت اوسلو الكارثية في التاريخ النضالي للشعب المقاوم المجاهد ... والتي تلتها اتفاقيات العربان بحجة ان اهل القضية قد حلوا مع عدوهم .. وها هي سلطتهم تمثلهم في نوال حقوقهم بالتفاوض ، والغت وحرمت المقاومة ورفع السلاح في وجه العدو الذي يعيث في الارض خرابا ودمارا وفي اهلها افسادا .....!!!!!!
لك الله يا امتنا............
اللهم ارزق امتنا الصحوة الحقيقية لا صحوة الاحلام في المنام .....