8- الحلقة الثامنة من سلسلة:- حكمة واثر العبادة التربوي على النفس والسلوك -8-
الدعاء :-
الدعاء لغة هو الطلب والرجاء والابتهال ، ودعوت الرجل للوليمة طلبت منه حضورها، ودعوته للفكرة طلبت منه اعتناقها وتبنيها ، والدعاء من الاعلى للادنى يكون بمنزلة الامر :- ومنه قوله: ([b]والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) (يونس 25)، وكذلك قوله عز وجل : {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ}(البقرة 221) ، ومثله قوله تعالى :- (قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى) (ابراهيم10) ودعوة الله تعالى ودعاءه لخلقه امر لهم وطلب منه لهم ليستجيبوا ويعملوا بما يؤهلهم للنجاة ودخول دار السلام بسلام،وكذلك يدعوهم لما يؤهلهم للمغفرة ودخول الجنة ، جعلنا الله واياكم من اهلها .[/b]
والدعاء في الاصطلاح الشرعي نستطيع ان نقول هو :- توجه العبد إلى ربه فيما يحتاجه من توفيق لإصلاح امور دينه و أُخراه ، و التوفيق في اتباع مرضاته في امور دنياه .
فاذا كان الصيام علاقة سرية بين العبد وربه ، فان الدعاء عبادة خاصة خالصة بين العبد وربه سبحانه ، وهي من اهم العبادات والطاعات التي يُظهر العبد فيها ضعفه وحاجته للرب الرحمن الرحيم اللطيف بخلقه سبحانه وتعالى ....
وقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالتوجه إليه في قضاء حوائجهم الدنيوية ليتيسر لهم التوفيق لتحقيقها كما يحب تعالى، وكذلك في أمور معادهم ليحط عنهم أوزارهم ويغفر زلاتهم ، ويتقبل توبتهم، ويعتق رقابهم من النار؛ لأنه ليس لهم من سبيل يتوصلون به إلى مطالبهم غير سؤالهم لخالقهم ومدبر أمورهم، قال تعالى:- (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ )[الأعراف:55، 56].وقد جاء تفسير الاعتداء هنا فيما جاء في صحيح البخاري ومسلم : " يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يغفر لي " .
وفي صحيح مسلم أيضاً:- " لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثمٍ أو قطيعة رحم ما لم يستعجل. قيل: يا رسول الله: ما الاستعجال ؟ قال: يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء ". واشترط سبحانه للدعاء ان لا يكون الداعي من المفسدين والمساهمين في افساد الارض بعد اصلاحها، وان يدعو الله خوفا ووجلا من عقابه تعالى في الدنيا بالسخط والحرمان من التوفيق ، وفي الاخرة بالخزي والندامة والعذاب الشديد ، وطمعا في رحمة الله التي هي دوما قريب من المحسنين الذين يحسنون عبادة ربهم في امور دنياهم وامور اخراهم كما شرع لهم ربهم وحكم عز وجل.
قال البيضاوي -رحمه الله تعالى- في تفسير هذه الآية الكريمة: "أعلم أنَّه تعالى، لما أمرهم بصوم الشهر، ومراعاة العدة على القيام بوظائف التكبير والشكر، عقّبه بهذه الآية الدالّة على أنَّه خبير بأحوالهم، سميع لأقوالهم مجيب لدعائهم، مجازيهم على أعمالهم، تأكيداً وحثّاً عليه".
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2024-03-14, 2:32 am عدل 1 مرات