7- الحلقة السابعة من سلسلة:- حكمة واثر العبادة التربوي على النفس والسلوك
ب - من حِكَم الصيام...
قال الله تعالى يوم اوجب علينا الصيام:- ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) البقرة)
فبين لنا سبحانه ان الصيام من الشعائر الشرعية التي كتبها وافترضها علينا ،كما افترضها على الامم السابقة لنا، وبين لنا ان الغاية الظاهرة البارزة من الصيام هي تحصيل التقوى،التي تقتضي من الانسان الالتزام بمنهج الله تعالى في الحياة ، وذلك باقامة ميزان الحلال والحرام في كل افعاله وتصرفاته في سره وعلانيته، محبة لله تعالى الخالق المدبر لأمور من خلق ،بما يصلح حالهم ويستقيم بها امور وجودهم ، رجاء رحمته وابتغاءََ لنوال مرضاته وثوابه ، وخوفا من عذابه وعقابه ...
فحقيقة التقوى، هي امتثال الانسان أمر الله بفعله، وامتثال نهيه باجتنابه، وهي سر من اسرار الاسلام في ضبط سلوك الفرد والمجتمع لا تعرفه ولا تدركه الامم الأخرى، وقد سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه- أبيّ بن كعب – رضي الله عنه- عن التقوى، فقال له: أما سلكت طريقًا ذا شوك؟ قال: بلى قال: فما عملت؟ قال: شمرت واجتهدت، قال: فذلك التقوى . ( ابن أبي الدنيا/ الدر المنثور) .
وتشمل التقوى التأثير في كل انواع سلوك الانسان واحاسيسه ومشاعره وتفكيره ومراقبة الله تعالى في ذلك، والمسلم إذا راقب الله حق المراقبة فقد بلغ غاية الإحسان، كما في حديث جبريل المشهور الذي رواه الشيخان أنه قد سأل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال: ما الإحسان؟ قال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" ولا تكاد تجد عبادة تتجلى فيها مراقبة الله مثل الصوم، فالصائم الذي لا يراقب الله سبحانه ربما يأكل ويشرب في الخفاء، ثم يظهر أمام الناس بمظهر الصائم المتنسك، فالصوم في الحقيقة سر بين العبد وبين ربه، ولا يطلع على حقيقته إلا الله، ولكونه سراً بين العبد وبين ربه أضافه الله إلى نفسه وشرفه بهذه الإضافة، ففي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قال الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإنه سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم...).
فلذلك كان من آثار الصيام العظيم التي نتعلمها في مدرسته ، أن نسموا باعمالنا و نرتقي بأخلاقنا وسلوكنا إلى الأفضل. فنتعود على الصبر والحلم، ونهذب ألفاظنا واقوالنا، ونلتزم باحكام ربنا في كل شأننا ، و ونتحمل ما يصدر من الآخرين تجاهنا. فالصيام يجب ان يُجمل أخلاقنا وسلوكياتنا ويربي شخصياتنا، فيمنع العنف الجسدي واللفظي، وينبغي ان تزيد به قدرتنا على ضبط النفس عن تهور الغضب، وانضباطها بأحكام شرع الله تعالى، فأنت تصوم بالتكبير فجرا، وتفطر بالتكبير مغربا، فيجب ان تكبر ربك في نفسك وقلبك وتعظم امره ونهيه قولا وعملا .
فإذا لم يعطِ الصيام ثمرته السلوكية فقد أضحى عملاً ميتاً لا روح فيه، قَالَ أَبوهُرَيْرَةَ – رضي الله عنه-: ( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه واله وسلم- مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) (رواه البخاري ) .
وهذا العمل الذي لا روح فيه ولا أثر له لا على تهذيب النفس ولا تهذيب السلوك لا يؤجر المسلم عليه،لان الصيام ليس فقط الامتناع عن الطعام والشراب والجماع فحسب ، بل الامتناع ايضا عن سوء العمل وسيء الاخلاق، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ ، ورُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ ) (رواه أحمد) .
فتنبه اخي المؤمن لتحقيق حِكَمِ الصوم في حياتك سلوكا وفي نفسك تهذيبا وانت تستقبل هذا الشهر العظيم ، واحرص على توبة نصوحا عسى ان يُغفر لك ما قد سلف .
اللهم اجعل الشهر الكريم شهر عز ونصر للامة على اعداءها الظاهرين والمخفيين، اللهم وانصر اهلنا واخواننا المجاهدين الصابرين المرابطين ببيت المقدس واكنافه ، واجعله بداية خير لنا ولابناء امتنا في الدنيا وصلاح الامر والمآل، واجعلنا فيه من المسلمين المحببين إليك بصالح الأعمال، وأصلح لنا كل الأحوال. يا رب مع بداية الشهر الكريم أكتب لنا العتق من النار، وتقبل منا صالح الأعمال، واعنا على صيامه وقيامه وجهاد النفس والاعداء، وانصرنا نصرا مؤزرا فانت ولينا ونعم الوكيل والنصير، اللهم ولا تخرجنا من الشهر الكريم إلا وقد غفرت لنا كل ذنوبنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...