بسم الله الرحمن الرحيم
حديث صباح الجمعة اسعد الله جمعكم امة الاسلام و بارككم وبارك جمعتكم حيثما كنتم ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :-
((ما ذا يفعل المحصر الذي منع من اداء مناسك الحج او اداء العمرة؟؟ ))
تابع معي اخي فقه هذه الاية الكريمة التي هي من المفصل في موضوع الحج :-
قال الحق تبارك وتعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ }[البقرة:196].
فهذه الاية الكريمة اصل عظيم في بيان احكام الحج في كل احواله ،والتي يتوجب علينا اخذها من سنة النبي- صلى الله عليه واله وسلم -الذي لا ينطق عن الهوى ولا يتبع في فعله الا ما يوحى اليه ، والذي قال:- " خذوا عني مناسككم فلعلي لا القاكم بعد عامي هذا" ...فالله تعالى هو المشرع والنبي صلى الله عليه واله وسلم هوالمبلغ لما اوحي اليه و المبين بقوله او بفعله، او باقراره وعدم انكاره على من يفعل عملا امامه، كونه لا يسكت على باطل ولا يقر منكرا يحصل امامه او بعلمه ولا ينهى عنه !!!
1- ففي قوله تعالى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وجوب اتمام الحج لمن نوى الحج واحرم به من الميقات او العمرة او جمع بينهما قارنا حجا وعمرة او متمتعا بعمرة الى الحج ... فلا يحل ولا يخرج من احرامه الا باتمام مناسكه المطلوب فعلها منه ..
2- ثم قال تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} ، اي إذا أحصر الحاج جاز له حينئذٍ أن يتحلل؛ لأنه معذور ممنوع بالاحصار، وهذا مثاله كما أحصر النبي ﷺ في يوم الحديبية ومنعه كفار مكة أن يدخل مكة، فنحر هديه وحلق رأسه وتحلل، وأمر أصحابه بذلك.
فلاحظ انه تعاى بعد أن أمر سبحانه بإتمام الحج والعمرة، شرع في بيان حكم الموانع التي تحول دون إتمام النسك، فقال: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} و"الإحصار" لغة: هو المنع مطلقًا، قال تعالى: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله} (البقرة:273) أي: مَنَعَهُمُ الفقر من الخروج للجهاد في سبيل الله. والاحصار يكون بالمنع وبالحبس والرد والصد عن بيت الله والمسجد الحرام...سواء كان هذا المنع من عدو او ظالم متسلط استحوذ على البيت و يصد بجبروته عن الكعبة والبيت الحرام ، او بمرض و بكل مانع يمنع المحرم من إتمام ما شرع به من نسك؛ وذلك لما رواه أحمد في "مسنده" عن الحجاج بن عمرو الأنصاري ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من كُسر أو وُجع أو عَرج فقد حلَّ وعليه حجة أخرى)، قال: فذكرت ذلك لابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهما، فقالا: صدق. أخرجه أصحاب السنن. قال الامام الثوري: الإحصار يكون من كل شيء آذاه، من عدو وغيره.
3- فلا يجوز للمحصر الممنوع من الحج بعد ما اهل به ان يتحلل الا بنسك الذبح لقوله تعالى: {فما استيسر من الهدي}و استيسر هنا بمعنى تيسَّر، أي ما أمكن، والمراد به جميع وجوه التيسر. والمقصود بـ {الهدي} الإبل والبقر و المعز و الضأن ؛ فيذبح او ينحر ما تيسر له منها، والذي ذهب إليه جمهور أهل العلم، أن الواجب في حال الإحصار شاة على كل محصَر، رجلا كان او امرأة ،ويمكن أن يشترك سبعة أشخاص في ناقة أو بقرة. وهو ما ذهب اليه و اتفقوا عليه الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى.
4-ثم قال: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} و معناه: أن المحصر لا يحلق حتى يذبح، هذا في المحصر إذا أحصر فإنه ينحر أولاً ثم يحلق، ولا يبدأ بالحلق، بل يبدأ بالنحر؛ ولهذا أمر النبي ﷺ أصحابه أن ينحروا ثم يحلقوا لما أُحصروا في الحديبية ، ومنعوا من دخول مكة وصدهم المشركون الذين كانوا يتولون يومها السيطرة على مكة والمسجد الحرام فنحروا ثم حلقوا وعادوا.
و"المَحِلُّ" مكان الحلول أو زمانه، يقال: حلَّ بالمكان يَحِلُّ، بكسر الحاء: وهو مقام الشيء، والمراد هنا مبلغه. زمانا ومكانا.. والمعنى: لا يحل لمن دخل في أعمال الحج أو العمرة وأحرم بهما أن يحلق إلى أن يفرغ من أفعال الحج و العمرة. لمن لم يُحصر ، اما من اُحصر فينحر هديه او يذبح شاته ثم يحلق ويتحلل من احرامه واثمه واقع على من أحصره ومنعه .. والواجب على امة الاسلام قاطبة فك البيت والمسجد الحرام وتخليصه ممن يصد عباد الله عنه او يمنعهم من حجه وعمرته او يروعهم فيه او يخيفهم، فالاصل فيه ان يكون حرما امنا .. فقد امتن الله على اهل الشرك والجاهلية وذكرهم بامن البيت الذي جعل لهم التمكين والسيادة عليه فقال لهم مذكرا :- ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ﴾[ سورة العنكبوت: 67] .
و أما في الحج فقال اهل العلم له أن يبدأ بالحلق، ولا حرج ويجوز له ، كما بين النبي ﷺ فإنه: سئل عمن حلق قبل أن يذبح؟ فقال: "لا حرج" فلو حلق قبل أن يذبح أو حلق قبل أن يرمي أجزأ ذلك لانه من المناسك الذي يجب اتمامها، أما المحصر فلا، المحصر لابد أن يبدأ بالنحر ثم يحلق للآية الكريمة. وذلك لان المحصر منع من تادية المناسك فيحل بالذبح والحلق ..
5- وقوله تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه}فان المراد بالمرض في الآية، المرض الذي يستدعي حلق الرأس وكذلك مثلة اذا استدعى لبس المخيط او المحيط ،، سواء أكان المرض في الجسد أم في الرأس. وقوله سبحانه: {أو به أذى من رأسه} كناية عن الوسخ الشديد والقمل، الذي يؤذي الرأس ، وهذه من لطائف القرآن الكريم، تَرْكُ التصريح بما هو غير لائق من الألفاظ، وذلك تعليما للناس الادب في اختيار الالفاظ كما هو واضح في قوله تعالى: {أذًى} فهو كناية عما يصيب رأس المحرم من حشرات مؤذية، كالقمل ونحوه. . وجاء في صحيح الامام البخاري رحمه الله من حديث كعب بن عُجْرة رضي الله عنه، قال: "حُمِلْتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي، فقال: (ما كنتُ أرى الجهد قد بلغ بك هذا، أما تجد شاة؟ قلت: لا، قال: صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من طعام، واحلق رأسك) فنـزلت هذه الآية فيَّ خاصة، وهي لكم عامة". وهذا الحديث تفسير عملي تطبيقي من النبي صلى الله عليه واله وسلم لما جاء في الآية الكريمة: [فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ ] وهو ثلاثة أيام [أَوْ صَدَقَةٍ ] وهي إطعام ستة مساكين، [أَوْ نُسُكٍ] وهي ذبح شاة، هذا في حق من احتاج إلى لبس المخيط أو غيره من المحظورات، فإنه يلبس المخيط عند الحاجة أو يتداوى بما خالطه الطيب كالصابون والمعقمات عند الحاجة بسبب المرض، أو يحلق رأسه عند الحاجة بسبب المرض، وعليه أن يفعل واحدة من هذه الثلاث على التخيير: فإما أن يذبح شاة، وإما أن يتصدق بشيء .... إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف الصاع من التمر أو نحوه، من الأرز والحنطة ونحو ذلك من قوت البلد او ثمنه لعموم قوله - او صدقة-، أو يصوم ثلاثة أيام، هذه الأشياء الثلاثة التي أرادها الرب سبحانه وخير عباده ان يفعلوا واحدة منها في قوله سبحانه: [فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ] وهكذا قد فسرها النبي ﷺ في حديث كعب بن عجرة السابق ذكره. وهذا الذي رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما و هو ما عليه جمهور أهل العلم، إذ قالوا: يُخيَّر المحرم في هذا المقام، إن شاء صام، وإن شاء ذبح شاة، وإن شاء أطعم، أيَّ ذلك فعل أجزأه.
6-ثم بين سبحانه حكم المتمتع، فختم الاية بقوله سبحانه [فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ] ، و المتمتع بالعمرة إلى الحج عليه أن يهدي، إذا تمتع بالعمرة إلى الحج يعني: أحرم بالعمرة في أشهر الحج في شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة، ثم حج من عامه فهذا يسمى: متمتع ،فيجب عليه أن يهدي ذبيحة يذبحها أيام العيد عن تمتعه، وهي شاة أو سبع بدنة، أو سبع بقرة، فإن لم يستطع صام عشرة أيام، ثلاثة أيام في الحج يعني: في مكة أيام الحج قبل عرفات، وإن لم يتيسر صامها أيام التشريق على الصحيح، الثلاثة بعد العيد والتي لا يحل صيامها الا لمن لم يجد الهدي من الحجاج فقط..، وسبعة إذا رجع إلى أهله، فإن لم يستطع صيام الثلاثة ايام في الحج لمرض أو غيره ،صام العشرة كلها عند أهله ولا شيء عليه، بدلاً من الهدي ..
ولاحظ اخي انه سبحانه ربط بين الامن وهو الاطمئنان وعدم الخوف بالتمتع لان التمتع يقتضي الاقامة التي قد تطول ويصعب معها البقاء على الاحرام وملابسه وترقب تجنب محظوراته ، فيحل احرامه بعد عمرته ويهل بالحج يوم التروية من حيث هو مقيم بمكة المكرمة ...
اللهم ارزق بيتك الامن والامان واعد أمنه بأمن الاسلام والمسلمين في ظل راية نبيك الامين وحكم شرعك الحكيم وسنة نبيك سيد المرسلين ، اللهم مكن ابناء امتنا من حج البيت بلا حدود تمنع، ولا قيود تُحصر، ولا سدود تصد ، اللهم مكنا من شد الرحال الى مساجدك الثلاث وهي في حمى راية الاسلام والتوحيد، واكتب لنا زيارتها وعبادتك فيها يا اكرم الاكرمين، اللهم وثبت المرابطين في بيت المقدس وانصر المجاهدين واخذل من خذلهم وهو قادر على نصرتهم..واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين ...
حديث صباح الجمعة اسعد الله جمعكم امة الاسلام و بارككم وبارك جمعتكم حيثما كنتم ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :-
((ما ذا يفعل المحصر الذي منع من اداء مناسك الحج او اداء العمرة؟؟ ))
تابع معي اخي فقه هذه الاية الكريمة التي هي من المفصل في موضوع الحج :-
قال الحق تبارك وتعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ }[البقرة:196].
فهذه الاية الكريمة اصل عظيم في بيان احكام الحج في كل احواله ،والتي يتوجب علينا اخذها من سنة النبي- صلى الله عليه واله وسلم -الذي لا ينطق عن الهوى ولا يتبع في فعله الا ما يوحى اليه ، والذي قال:- " خذوا عني مناسككم فلعلي لا القاكم بعد عامي هذا" ...فالله تعالى هو المشرع والنبي صلى الله عليه واله وسلم هوالمبلغ لما اوحي اليه و المبين بقوله او بفعله، او باقراره وعدم انكاره على من يفعل عملا امامه، كونه لا يسكت على باطل ولا يقر منكرا يحصل امامه او بعلمه ولا ينهى عنه !!!
1- ففي قوله تعالى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وجوب اتمام الحج لمن نوى الحج واحرم به من الميقات او العمرة او جمع بينهما قارنا حجا وعمرة او متمتعا بعمرة الى الحج ... فلا يحل ولا يخرج من احرامه الا باتمام مناسكه المطلوب فعلها منه ..
2- ثم قال تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} ، اي إذا أحصر الحاج جاز له حينئذٍ أن يتحلل؛ لأنه معذور ممنوع بالاحصار، وهذا مثاله كما أحصر النبي ﷺ في يوم الحديبية ومنعه كفار مكة أن يدخل مكة، فنحر هديه وحلق رأسه وتحلل، وأمر أصحابه بذلك.
فلاحظ انه تعاى بعد أن أمر سبحانه بإتمام الحج والعمرة، شرع في بيان حكم الموانع التي تحول دون إتمام النسك، فقال: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} و"الإحصار" لغة: هو المنع مطلقًا، قال تعالى: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله} (البقرة:273) أي: مَنَعَهُمُ الفقر من الخروج للجهاد في سبيل الله. والاحصار يكون بالمنع وبالحبس والرد والصد عن بيت الله والمسجد الحرام...سواء كان هذا المنع من عدو او ظالم متسلط استحوذ على البيت و يصد بجبروته عن الكعبة والبيت الحرام ، او بمرض و بكل مانع يمنع المحرم من إتمام ما شرع به من نسك؛ وذلك لما رواه أحمد في "مسنده" عن الحجاج بن عمرو الأنصاري ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من كُسر أو وُجع أو عَرج فقد حلَّ وعليه حجة أخرى)، قال: فذكرت ذلك لابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهما، فقالا: صدق. أخرجه أصحاب السنن. قال الامام الثوري: الإحصار يكون من كل شيء آذاه، من عدو وغيره.
3- فلا يجوز للمحصر الممنوع من الحج بعد ما اهل به ان يتحلل الا بنسك الذبح لقوله تعالى: {فما استيسر من الهدي}و استيسر هنا بمعنى تيسَّر، أي ما أمكن، والمراد به جميع وجوه التيسر. والمقصود بـ {الهدي} الإبل والبقر و المعز و الضأن ؛ فيذبح او ينحر ما تيسر له منها، والذي ذهب إليه جمهور أهل العلم، أن الواجب في حال الإحصار شاة على كل محصَر، رجلا كان او امرأة ،ويمكن أن يشترك سبعة أشخاص في ناقة أو بقرة. وهو ما ذهب اليه و اتفقوا عليه الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى.
4-ثم قال: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} و معناه: أن المحصر لا يحلق حتى يذبح، هذا في المحصر إذا أحصر فإنه ينحر أولاً ثم يحلق، ولا يبدأ بالحلق، بل يبدأ بالنحر؛ ولهذا أمر النبي ﷺ أصحابه أن ينحروا ثم يحلقوا لما أُحصروا في الحديبية ، ومنعوا من دخول مكة وصدهم المشركون الذين كانوا يتولون يومها السيطرة على مكة والمسجد الحرام فنحروا ثم حلقوا وعادوا.
و"المَحِلُّ" مكان الحلول أو زمانه، يقال: حلَّ بالمكان يَحِلُّ، بكسر الحاء: وهو مقام الشيء، والمراد هنا مبلغه. زمانا ومكانا.. والمعنى: لا يحل لمن دخل في أعمال الحج أو العمرة وأحرم بهما أن يحلق إلى أن يفرغ من أفعال الحج و العمرة. لمن لم يُحصر ، اما من اُحصر فينحر هديه او يذبح شاته ثم يحلق ويتحلل من احرامه واثمه واقع على من أحصره ومنعه .. والواجب على امة الاسلام قاطبة فك البيت والمسجد الحرام وتخليصه ممن يصد عباد الله عنه او يمنعهم من حجه وعمرته او يروعهم فيه او يخيفهم، فالاصل فيه ان يكون حرما امنا .. فقد امتن الله على اهل الشرك والجاهلية وذكرهم بامن البيت الذي جعل لهم التمكين والسيادة عليه فقال لهم مذكرا :- ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ﴾[ سورة العنكبوت: 67] .
و أما في الحج فقال اهل العلم له أن يبدأ بالحلق، ولا حرج ويجوز له ، كما بين النبي ﷺ فإنه: سئل عمن حلق قبل أن يذبح؟ فقال: "لا حرج" فلو حلق قبل أن يذبح أو حلق قبل أن يرمي أجزأ ذلك لانه من المناسك الذي يجب اتمامها، أما المحصر فلا، المحصر لابد أن يبدأ بالنحر ثم يحلق للآية الكريمة. وذلك لان المحصر منع من تادية المناسك فيحل بالذبح والحلق ..
5- وقوله تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه}فان المراد بالمرض في الآية، المرض الذي يستدعي حلق الرأس وكذلك مثلة اذا استدعى لبس المخيط او المحيط ،، سواء أكان المرض في الجسد أم في الرأس. وقوله سبحانه: {أو به أذى من رأسه} كناية عن الوسخ الشديد والقمل، الذي يؤذي الرأس ، وهذه من لطائف القرآن الكريم، تَرْكُ التصريح بما هو غير لائق من الألفاظ، وذلك تعليما للناس الادب في اختيار الالفاظ كما هو واضح في قوله تعالى: {أذًى} فهو كناية عما يصيب رأس المحرم من حشرات مؤذية، كالقمل ونحوه. . وجاء في صحيح الامام البخاري رحمه الله من حديث كعب بن عُجْرة رضي الله عنه، قال: "حُمِلْتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي، فقال: (ما كنتُ أرى الجهد قد بلغ بك هذا، أما تجد شاة؟ قلت: لا، قال: صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من طعام، واحلق رأسك) فنـزلت هذه الآية فيَّ خاصة، وهي لكم عامة". وهذا الحديث تفسير عملي تطبيقي من النبي صلى الله عليه واله وسلم لما جاء في الآية الكريمة: [فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ ] وهو ثلاثة أيام [أَوْ صَدَقَةٍ ] وهي إطعام ستة مساكين، [أَوْ نُسُكٍ] وهي ذبح شاة، هذا في حق من احتاج إلى لبس المخيط أو غيره من المحظورات، فإنه يلبس المخيط عند الحاجة أو يتداوى بما خالطه الطيب كالصابون والمعقمات عند الحاجة بسبب المرض، أو يحلق رأسه عند الحاجة بسبب المرض، وعليه أن يفعل واحدة من هذه الثلاث على التخيير: فإما أن يذبح شاة، وإما أن يتصدق بشيء .... إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف الصاع من التمر أو نحوه، من الأرز والحنطة ونحو ذلك من قوت البلد او ثمنه لعموم قوله - او صدقة-، أو يصوم ثلاثة أيام، هذه الأشياء الثلاثة التي أرادها الرب سبحانه وخير عباده ان يفعلوا واحدة منها في قوله سبحانه: [فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ] وهكذا قد فسرها النبي ﷺ في حديث كعب بن عجرة السابق ذكره. وهذا الذي رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما و هو ما عليه جمهور أهل العلم، إذ قالوا: يُخيَّر المحرم في هذا المقام، إن شاء صام، وإن شاء ذبح شاة، وإن شاء أطعم، أيَّ ذلك فعل أجزأه.
6-ثم بين سبحانه حكم المتمتع، فختم الاية بقوله سبحانه [فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ] ، و المتمتع بالعمرة إلى الحج عليه أن يهدي، إذا تمتع بالعمرة إلى الحج يعني: أحرم بالعمرة في أشهر الحج في شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة، ثم حج من عامه فهذا يسمى: متمتع ،فيجب عليه أن يهدي ذبيحة يذبحها أيام العيد عن تمتعه، وهي شاة أو سبع بدنة، أو سبع بقرة، فإن لم يستطع صام عشرة أيام، ثلاثة أيام في الحج يعني: في مكة أيام الحج قبل عرفات، وإن لم يتيسر صامها أيام التشريق على الصحيح، الثلاثة بعد العيد والتي لا يحل صيامها الا لمن لم يجد الهدي من الحجاج فقط..، وسبعة إذا رجع إلى أهله، فإن لم يستطع صيام الثلاثة ايام في الحج لمرض أو غيره ،صام العشرة كلها عند أهله ولا شيء عليه، بدلاً من الهدي ..
ولاحظ اخي انه سبحانه ربط بين الامن وهو الاطمئنان وعدم الخوف بالتمتع لان التمتع يقتضي الاقامة التي قد تطول ويصعب معها البقاء على الاحرام وملابسه وترقب تجنب محظوراته ، فيحل احرامه بعد عمرته ويهل بالحج يوم التروية من حيث هو مقيم بمكة المكرمة ...
اللهم ارزق بيتك الامن والامان واعد أمنه بأمن الاسلام والمسلمين في ظل راية نبيك الامين وحكم شرعك الحكيم وسنة نبيك سيد المرسلين ، اللهم مكن ابناء امتنا من حج البيت بلا حدود تمنع، ولا قيود تُحصر، ولا سدود تصد ، اللهم مكنا من شد الرحال الى مساجدك الثلاث وهي في حمى راية الاسلام والتوحيد، واكتب لنا زيارتها وعبادتك فيها يا اكرم الاكرمين، اللهم وثبت المرابطين في بيت المقدس وانصر المجاهدين واخذل من خذلهم وهو قادر على نصرتهم..واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين ...