...............{بسم الله الرحمن الرحيم}...............
15- الحلقة الخامسة عشرة من حديث الاثنين في مباحث الايمان والبعقيدة :-
خاتمية الرسالة وعالميتها :-
الايمان بخاتمية الرسالة الإسلامية وعالميتها من مقتضيات الإسلام الحنيف الثابتة ثبوتاً قطعياً بنص الكتاب الكريم والسنة الشريفة الصحيحة، و التي عليها إجماع المسلمين، فيجب على كل مسلم الاعتقاد بها والعمل بمقتضاها، ولا يلتفت ولا ينظر في كل دعوى للنبوة أو الرسالة بعده، بل محكوم عليها بالكذب .
فهناك علاقة وطيدة بين عالمية الرسالة وخاتميتها، وعالمية الرسالة ثابتة بالكتاب والسنة ، قال تعالى :- ( وما أرسلناك إلا كافة للناس )[سبأ28]. وقال تعالى:- ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) [ الأعراف : 158 ] ،وقال تبارك وتعالى:- ( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ) [ الفرقان : 1 ] .
ومن السنة المطهرة قوله صلى الله عليه و اله وسلم :- "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ مِنَ الأنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا، وأَيُّما رَجُلٍ مِن أُمَّتي أدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وأُحِلَّتْ لي الغَنَائِمُ، وكانَ النبيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وبُعِثْتُ إلى النَّاسِ كَافَّةً، وأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ".متفق عليه ..
وروى ابن الملقن عن ابي اسامة الباهلي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:- " إنَّ اللهَ فضَّلني على الأنبِياءِ أو قال أُمَّتي على الأُمَمِ بأربَعٍ: أرسَلني إلى الناسِ كافَّةً ، وجعَل الأرضَ كلَّها لي ولأُمَّتي طَهورًا ومسجِدًا فأينما أدرَكَتِ الرجُلَ من أُمَّتي الصلاةُ فعِندَه مَسجِدُه وطَهورُه ، ونُصِرتُ بالرُّعبِ يَسيرُ بينَ يَدَيْ مَسيرَةِ شهرٍ يُقذَفُ في قُلوبِ أعدائي ، وأُحِلَّتْ لِيَ الغَنائِمُ" واخرجه الترمذي والامام احمد باختلاف يسير ..
وأما كون رسالة النبي صلى الله عليه هي خاتمة الرسالات، فهذا منصوص عليه في نصوص الوحي، مثل قوله تعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وخَاتَمَ النَّبِيِّينَ.} {40الاحزاب}، وفي حديث الصحيحين: "وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبييون". وكذلك كما في حديث الصحيحين: "لا نبي بعدي".
وكانت الرسالات من قبل رسالات خاصة بزمان او بمكان او بقوم .. فلذلك جاءت معجزات الانبياء والرسل معجزات حسية عينية،لتبرهن صدق النبي لاهل زمانه ومعاصريه ..ولكن معجزة النبي محمد خاتم النبيين اتصفت بانها معجزة عقلية بلاغية ، مستمرة الى ان يرث الله الارض ومن عليها ، والاعجاز يقوم مع وجود التحدي من جهة الذي يريد تصديق دعواه، كونه برهان ودليل ساطع على صدق الدعوى ان عجز ان تاتي بمثلها الجهة المتحداة ..وهذا الاعجاز يعتبرخاصاً ببلاغة القرآن واختيار الفاظه المناسبة للتعبير، وأسلوبه في رصف الكلام ، الذي ليس بشعر وليس بنثرانما هو نمط جديد من الكلام اسمه القران .. والإعجاز مشتق من العجز والضعف أو عدم القدرة والإعجاز مصدره أعجز وهو بمعنى الفوت والسبق، والمعجزة في اصطلاح العلماء أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم من المعارضة وإعجاز القرآن يقصد به إعجاز القرآن الناس أن يأتوا بمثله. أي نسبة العجز إلى الناس بسبب عدم قدرة أي شخص على الإتيان بمثله.وعليه فان الاعجاز خالد وان التحدي خالد قائم ،قال الله تعالى :- ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ٨٨﴾ [الإسراء:88]، وفي موضع اخرنزل هذا التحدي الى عشر سور:- ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ١٣﴾ [هود:13] وزيادة في التحدي طلب منهم ان يأتوا حتى ولو بسورة قصيرة مثله فقال: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ٣٨﴾ [يونس:38]. واستمر هذا التحدي وهو قائم مستمر الى يوم القيامة ،ذلك ان هذه اية وبرهان ومعجزة الرسالة الخالدة فخلد الله حفظها وخلد التحدي بها - حيث ان حفظه بذاته نوع من التحدي فقال:- ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9] . ذلك لأن من لوازم عالمية الرسالة الخاتمة، وكذلك من لوازم الخاتمية، وتوقف النبوات، شمول كلمة الذكر للوحي المنزل من الكتاب والسنة، الذين يشكلان المعيار المعصوم للامة بعد نبيها الخاتم، ومركز الرؤية، ودليل العمل، والتعامل مع الحياة والأحياء.. هذا المعيار، أو هذه المعيارية، تعتبر من أخص خصائص الرسالة الاسلامية الخاتمة، حتى لا يداخلها أي شك، أو احتمال تحريف أو تبديل، واستمرار القيم والاحكام في الكتاب والسنة، صحيحة سليمة من كل تحريف، أو تبديل، أو تأويل، ليصبح التكليف صحيحاً عقلاً وشرعاً، ويترتب الثواب والعقاب.. ومن لوازمها أيضاً، الخلود، الذي يعني: استمرار تجسد هذه القيم في الواقع، وقدرتها على إنتاج نماذج تثير الاقتداء، وتظهر بالحق في كل زمان ومكان، وتمتلك الإمكانية لمعالجة المستجدات والمشاكل المستحدثة و الطارئة، والقدرة على التعامل مع المستجدات .. وحيث اتم الله تعالى اصول الاحكام التشريعية في الدين وفق اختيار نصوص تعالج متطلبات الانسان واموره وقضاياه باعتباره انسانا ، بنصوص ثابتة تندرج تحتها الاجتهادات في المستجد من الفرعيات ..فكانت هذه ميزة من ميزات الرسالة العالمية والخاتمة ..
ان امر خاتمية الرسالة وعالميتها يستوجب على امة الاسلام امورا تكليفية تمتاز بها عن بقية امم الرسالات ، فهي الامة المستخلفة بوراثة نهج النبوة والعوة تنفيذ الوحي بعد اكتمال نزوله واتمام نعمته هدىََ ونورا للبشرية جمعاء، فلذلك جعلها الله تعالى خير امة من دون الامم خاصة اخرجت للناس عامة ..و خيرية هذه الأمة صفة تشريف لها. والتشريف يتبعه التكليف؛ فالخيرية مشروطة؛ فمن قام بشرطها حققها ومن لا كانت العقوبة شديدة؛ فلا يغترن أحد بانتساب إذا لم يعمل بشَرْطه. فمكانة هذه الأمة قد نص الله تبارك وتعالى عليها في قوله تبارك وتعالى:- ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة:١٤٣]. والوسَط هو مركز الاتزان والصدارة والريادة والقيادة والافضلية.
وقد صرح الله بهذه الأفضلية في آية أخرى بوضوح فقال: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران:١١٠]، وقوله: ﴿هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج:٧٨].
وذلك لانهم ورثوا مهمة خلافة الانبياء والرسل في اقامة دين الله تعالى في الارض والذي وعد سبحانه باظهاره على الدين كله، فقال:-
{ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا }(الفتح 28)
فيا امة الاسلام هلموا الى ما انتدبكم اليه ربكم واستخلفكم فيه، قوموا بحمل ميراث نبيكم واوصلوه الى البشرية كما جعلكم الله تعالى امناء عليه بعد نبيكم، ففي ذلك نجاحكم وفلاحكم وسؤددكم بين العالمين .. فانتم على وعد من الله تعالى :- {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [ النور 55] .. فحققوا يا حملة الرسالة الخاتمة شروط وعد ربكم ليحققه لكم فتفوزوا فوزا عظيما كما قال سبحانه :- ﴿ وَعَدَ ٱللَّهُٱلَّذِينَءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٌ عَظِيمٞ ﴾ [ المائدة: 9].
اللهم اعنا على طاعتك وذكرك وشكرك حمل دعوتك نورا وهدى للعالمين، اللهم نسالك نصرتك ونصرك وتثبيتك وحمل رسالتك للعالمين...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
15- الحلقة الخامسة عشرة من حديث الاثنين في مباحث الايمان والبعقيدة :-
خاتمية الرسالة وعالميتها :-
الايمان بخاتمية الرسالة الإسلامية وعالميتها من مقتضيات الإسلام الحنيف الثابتة ثبوتاً قطعياً بنص الكتاب الكريم والسنة الشريفة الصحيحة، و التي عليها إجماع المسلمين، فيجب على كل مسلم الاعتقاد بها والعمل بمقتضاها، ولا يلتفت ولا ينظر في كل دعوى للنبوة أو الرسالة بعده، بل محكوم عليها بالكذب .
فهناك علاقة وطيدة بين عالمية الرسالة وخاتميتها، وعالمية الرسالة ثابتة بالكتاب والسنة ، قال تعالى :- ( وما أرسلناك إلا كافة للناس )[سبأ28]. وقال تعالى:- ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) [ الأعراف : 158 ] ،وقال تبارك وتعالى:- ( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ) [ الفرقان : 1 ] .
ومن السنة المطهرة قوله صلى الله عليه و اله وسلم :- "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ مِنَ الأنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا، وأَيُّما رَجُلٍ مِن أُمَّتي أدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وأُحِلَّتْ لي الغَنَائِمُ، وكانَ النبيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وبُعِثْتُ إلى النَّاسِ كَافَّةً، وأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ".متفق عليه ..
وروى ابن الملقن عن ابي اسامة الباهلي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:- " إنَّ اللهَ فضَّلني على الأنبِياءِ أو قال أُمَّتي على الأُمَمِ بأربَعٍ: أرسَلني إلى الناسِ كافَّةً ، وجعَل الأرضَ كلَّها لي ولأُمَّتي طَهورًا ومسجِدًا فأينما أدرَكَتِ الرجُلَ من أُمَّتي الصلاةُ فعِندَه مَسجِدُه وطَهورُه ، ونُصِرتُ بالرُّعبِ يَسيرُ بينَ يَدَيْ مَسيرَةِ شهرٍ يُقذَفُ في قُلوبِ أعدائي ، وأُحِلَّتْ لِيَ الغَنائِمُ" واخرجه الترمذي والامام احمد باختلاف يسير ..
وأما كون رسالة النبي صلى الله عليه هي خاتمة الرسالات، فهذا منصوص عليه في نصوص الوحي، مثل قوله تعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وخَاتَمَ النَّبِيِّينَ.} {40الاحزاب}، وفي حديث الصحيحين: "وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبييون". وكذلك كما في حديث الصحيحين: "لا نبي بعدي".
وكانت الرسالات من قبل رسالات خاصة بزمان او بمكان او بقوم .. فلذلك جاءت معجزات الانبياء والرسل معجزات حسية عينية،لتبرهن صدق النبي لاهل زمانه ومعاصريه ..ولكن معجزة النبي محمد خاتم النبيين اتصفت بانها معجزة عقلية بلاغية ، مستمرة الى ان يرث الله الارض ومن عليها ، والاعجاز يقوم مع وجود التحدي من جهة الذي يريد تصديق دعواه، كونه برهان ودليل ساطع على صدق الدعوى ان عجز ان تاتي بمثلها الجهة المتحداة ..وهذا الاعجاز يعتبرخاصاً ببلاغة القرآن واختيار الفاظه المناسبة للتعبير، وأسلوبه في رصف الكلام ، الذي ليس بشعر وليس بنثرانما هو نمط جديد من الكلام اسمه القران .. والإعجاز مشتق من العجز والضعف أو عدم القدرة والإعجاز مصدره أعجز وهو بمعنى الفوت والسبق، والمعجزة في اصطلاح العلماء أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم من المعارضة وإعجاز القرآن يقصد به إعجاز القرآن الناس أن يأتوا بمثله. أي نسبة العجز إلى الناس بسبب عدم قدرة أي شخص على الإتيان بمثله.وعليه فان الاعجاز خالد وان التحدي خالد قائم ،قال الله تعالى :- ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ٨٨﴾ [الإسراء:88]، وفي موضع اخرنزل هذا التحدي الى عشر سور:- ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ١٣﴾ [هود:13] وزيادة في التحدي طلب منهم ان يأتوا حتى ولو بسورة قصيرة مثله فقال: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ٣٨﴾ [يونس:38]. واستمر هذا التحدي وهو قائم مستمر الى يوم القيامة ،ذلك ان هذه اية وبرهان ومعجزة الرسالة الخالدة فخلد الله حفظها وخلد التحدي بها - حيث ان حفظه بذاته نوع من التحدي فقال:- ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9] . ذلك لأن من لوازم عالمية الرسالة الخاتمة، وكذلك من لوازم الخاتمية، وتوقف النبوات، شمول كلمة الذكر للوحي المنزل من الكتاب والسنة، الذين يشكلان المعيار المعصوم للامة بعد نبيها الخاتم، ومركز الرؤية، ودليل العمل، والتعامل مع الحياة والأحياء.. هذا المعيار، أو هذه المعيارية، تعتبر من أخص خصائص الرسالة الاسلامية الخاتمة، حتى لا يداخلها أي شك، أو احتمال تحريف أو تبديل، واستمرار القيم والاحكام في الكتاب والسنة، صحيحة سليمة من كل تحريف، أو تبديل، أو تأويل، ليصبح التكليف صحيحاً عقلاً وشرعاً، ويترتب الثواب والعقاب.. ومن لوازمها أيضاً، الخلود، الذي يعني: استمرار تجسد هذه القيم في الواقع، وقدرتها على إنتاج نماذج تثير الاقتداء، وتظهر بالحق في كل زمان ومكان، وتمتلك الإمكانية لمعالجة المستجدات والمشاكل المستحدثة و الطارئة، والقدرة على التعامل مع المستجدات .. وحيث اتم الله تعالى اصول الاحكام التشريعية في الدين وفق اختيار نصوص تعالج متطلبات الانسان واموره وقضاياه باعتباره انسانا ، بنصوص ثابتة تندرج تحتها الاجتهادات في المستجد من الفرعيات ..فكانت هذه ميزة من ميزات الرسالة العالمية والخاتمة ..
ان امر خاتمية الرسالة وعالميتها يستوجب على امة الاسلام امورا تكليفية تمتاز بها عن بقية امم الرسالات ، فهي الامة المستخلفة بوراثة نهج النبوة والعوة تنفيذ الوحي بعد اكتمال نزوله واتمام نعمته هدىََ ونورا للبشرية جمعاء، فلذلك جعلها الله تعالى خير امة من دون الامم خاصة اخرجت للناس عامة ..و خيرية هذه الأمة صفة تشريف لها. والتشريف يتبعه التكليف؛ فالخيرية مشروطة؛ فمن قام بشرطها حققها ومن لا كانت العقوبة شديدة؛ فلا يغترن أحد بانتساب إذا لم يعمل بشَرْطه. فمكانة هذه الأمة قد نص الله تبارك وتعالى عليها في قوله تبارك وتعالى:- ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة:١٤٣]. والوسَط هو مركز الاتزان والصدارة والريادة والقيادة والافضلية.
وقد صرح الله بهذه الأفضلية في آية أخرى بوضوح فقال: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران:١١٠]، وقوله: ﴿هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج:٧٨].
وذلك لانهم ورثوا مهمة خلافة الانبياء والرسل في اقامة دين الله تعالى في الارض والذي وعد سبحانه باظهاره على الدين كله، فقال:-
{ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا }(الفتح 28)
فيا امة الاسلام هلموا الى ما انتدبكم اليه ربكم واستخلفكم فيه، قوموا بحمل ميراث نبيكم واوصلوه الى البشرية كما جعلكم الله تعالى امناء عليه بعد نبيكم، ففي ذلك نجاحكم وفلاحكم وسؤددكم بين العالمين .. فانتم على وعد من الله تعالى :- {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [ النور 55] .. فحققوا يا حملة الرسالة الخاتمة شروط وعد ربكم ليحققه لكم فتفوزوا فوزا عظيما كما قال سبحانه :- ﴿ وَعَدَ ٱللَّهُٱلَّذِينَءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٌ عَظِيمٞ ﴾ [ المائدة: 9].
اللهم اعنا على طاعتك وذكرك وشكرك حمل دعوتك نورا وهدى للعالمين، اللهم نسالك نصرتك ونصرك وتثبيتك وحمل رسالتك للعالمين...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته