5- الحلقة الخامسة من سلسلة حديث الاثنين في مباحث الايمان والعقيدة
صياغة العقل البشري - اعادة الاسلام لصياغة العقل البشري الموحد حقا !!
احد الاخوة الافاضل ناقشني في الاسبوع الماضي حول قولي انه عندما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن على الارض موحد حقا .. وقال انه كان هناك موحدون من اليهود مثل الطائفة الاريسية !! والتي حمل النبي عليه الصلاة والسلام اثمها لهرقل !! والتي اكتشفت مخطوطاتهم في خربة قمران غربي البحر الميت ...!!
وهذا الاعتراض وجيه ويستحق النظر والنقاش وايضا كونه يثري موضوعنا الرئيس في هذه السلسلة ، فاقول وبالله التوفيق ومنه نستمد العون : -
ان اليهود على وجه الخصوص كانت عقليتهم عقلية تجسيم وتجسيد قبل غيرهم من اهل الكتاب، بل ونبيهم ورسولهم موسى- الذي هو من اهل العزم - وأخوه النبي هارون كانا بين ظهرانيهم ، وذلك بحكم تأثرهم بالثقافة والتربية الفرعونية، وبعد ان شاهدوا كل المعجزات الحسية والمادية تحصل امامهم ، ومن اعظمها انشقاق البحر لهم وخروجهم منه سالمين من فرعون ومن الغرق ، ويغرق فرعون امامهم وجنده ، ومع ذلك يوم مروا على اهل بلدة يعكفون على عبادة الاصنام طلبوا من نبيهم ان يجعل لهم الها كما ان لهم الهة !!
(وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَٰهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140الاعراف).
ومع كل ذلك ومع التوجيه والارشاد والوعظ والتذكير، الا انهم جسدوا الاله -سبحانه- في صورة عجل من ذهب يوم غاب عنهم رسولهم عليه السلام لمناجاة ربه.. (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ ۚ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا ۘ اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148الاعراف) ... ولاحظ معي كلمة -عجلا جسدا- فالعملية المقصد منها تجسيد التصور الالهي ، اي اخضعوا الاله تعالى لقيود المادة وحدودها - شكل وصورة وجسد وماهية ...!!! فظلموا انفسهم وظلموا غيرهم بهذا التصرف والتصور الاهوج في حق الرب سبحانه وتعالى ...
فهم يعلمون ان انبيائهم ورسلهم دعوهم الى التوحيد ، فأساؤا فهم التوحيد ، حيث نظروا للتوحيد على انه لا يمنع التجسيد والتصوير والتجسيم - الذي هو من مظاهر المادة والوجود المادي، وبقيت عقليتهم تهبط للمستوى المادي لتقيس عليه ما فوق المادة وما لا تدركه الحواس ، والمادة من خلقه واحداثه ، وهو قبل المادة ... فظنوا ان التوحيد هو عبادة صورة واحدة ومجسم يجسد صورة الاله ..
وهذا ما حاول المستشرقون بخبث طوية وسوء خلفية اضفاءه واسقاطه على الاسلام والنبي محمد صلى الله عليه واله وسلم - حيث قالوا : ان محمد رجل ذكي استطاع ان يوحد العرب بدل ما كانوا يعبدون 360 صنما ليعبدوا صنما واحدا هو - الكعبة - !!!
فلذلك وجدنا ان اكثر من في الارض من البشر لا يؤمن بالله الا وهو مشرك، لانه - مُصور مُجسم مُجسد - للاله عز وجل ، قال تعالى في سورة يوسف :- (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ (106) ...
فلذلك نعود ونذكر ونلفت النظر الى قوله تعالى :- ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5].فهذا الخالق الاحد الفرد الصمد لن تستطيع ان تتصور له صورة ولن تستطيع ان تمثله وتجسده لانه ليس كمثله شيء، وان مداركك لن تحيط الا باسمه فقط ، وسوف تتعامل مع الاسم فقط ،وقد طلب سيدنا موسى عليه السلام من ربنا جل وعلا ان ينظر اليه ليراه فاعلمه الله تعالى ان مداركه لن تستطيع الاحاطة والنظر لله تعالى لانه خلق مدارك الانسان لتحيط فقط بامور الحياة الدنيا وما يلزمه فيها من معايش ومتطلبات عيش :- (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)الاعراف).
ومما سبق يتبين لنا ان العقيدة الاسلامية في تصورها للاه عز وجل، قد عادت بالعقل البشري الى فطرته الاولى ، وازالت عنه ركام السنين من تصورات الجاهلين وفلسفات المتفلسفين وخرافات وخزعبلات الواهمين ...
فلذلك ايها الانسان العاجز الناقص المحتاج قف عند حدك والزمه ولا تتجاوزه وختاما ( فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96الوقعة) .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته