المثال الساطع للعلمانية:
إن القارئ للمقالات التي يكتبها العلمانيون يحس أن الكاتب يحاول بشتى الطرق إقناعنا أن العلمانية هي الحل السحري لكل مشاكلنا، وأن ما نعانيه في حياتنا الآن هو بالأساس نتيجة للتحالف المخزني / المساجدي الذي يبرر للمخزن تجاوزاته بغطاء شرعي من الفقهاء. وسأفترض جدلاً أنني اقتنعت نظرياً بأن العلمانية هي الحل للمشاكل التي نعيشها، إلا أن صعوبة هذا الحل وحجم الجهد اللازم لإقناع الناس به، يقتضي منا، قبل السير فيه أو البدء في الدعوة إليه، وحرصاً على ألا تضيع جهودنا سدىً، دراسة النجاحات التي حققها هذا الحل، ومدى سعادة الناس الذين يعيشون تحت ظل رايته. فمن المعلوم أن أهم وسيلة لإقناع أي مريض باستعمال وصفة معينة، هي إعطاؤه مثالاً حياً لمريض كان يعاني من مثل مرضه، فلما تناول الوصفة المعروضة برء من سقمه، ونقول إذن: أرونا هذه الدولة المثال التي طبقت العلمانية فنضح الخير منها على رعاياها وعلى البشرية؟
· أهي أمريكا التي لا ترفع رأسها من أزمة اقتصادية حتى تهوي على أم رأسها أزمة أفظع منها فتبتلع الأموال بالملايير وتقذف بعشرات الآلاف إلى الفقر والتسول؟ أم أمريكا التي تنشر الرعب والقتل في أنحاء العالم وتبيح لنفسها إسالة أنهار الدماء كي تضمن تدفق النفط والمواد الخام إلى مصانعها؟
· أهي بريطانيا مصاصة الدماء، التي بلغت مستعمراتها المشارق والمغارب، فنهبت منها حتى التخمة، ثم لم ترض أن تخرج من أي بلد حتى زرعت فيه فتنة لا تزال تهلك الحرث والنسل إلى اليوم (كشمير، سنغافورة، فلسطين، ...)؟
· أهي فرنسا التي قتلت بدم بارد في الجزائر ما بين 7 إلى 8 مليون مسلم طوال فترة الاحتلال التي دامت 130 سنة، منهم 1.5 مليون في حرب الاستقلال في الخمسينات من القرن الماضي، و 45 ألفاً في يوم واحد في مذبحة سطيف سنة 1945، ومع ذلك هي لا تزال تستكثر على الضحايا مجرد اعتذار؟ أم فرنسا التي لا تزال تعيش على نهب مستعمراتها السابقة والاستئثار بخيراتها تاركة شعوبها ليأكلهم الفقر والجوع؟ أم فرنسا التي تبيح التعري والإباحية وتحارب الحجاب والنقاب وتضيق على العفيفات؟
· أهي سويسرا التي تعتاش على حماية أموال اللصوص والناهبين من الحكام وحواشيهم الفاسدين وتحميها من أن يستردها أصحابها، ثم ها هي لا تقبل مجرد أن ترتفع مئذنة في سمائها ضاربة بعرض الحائط كل الشعارات البراقة عن التسامح وقبول الآخر التي أصمّت آذاننا بها؟
· أم هي السويد التي تخطف أبناء المسلمين من أحضان آبائهم، ولا تستطيع أن تضمن لشعبها أدنى قدر من الاستقرار النفسي يقيهم من أن يحطموا الأرقام القياسية في معدلات الانتحار؟
أين هي هذه الدولة التي تبشروننا بها يا معشر بني علمان أننا سنصبح مثلها إن نحن تبنينا العلمانية وطبقناها في حياتنا اليومية؟ أهذه هي الأمثلة الساطعة التي يراد لنا أن نتشبه بها ونسير على خطاها؟ دول ميكيافيلة منافقة مجرمة!؟ بئس المثال إذن!
ومع كل ما طرح الكاتب، فإن أغرب ما ذكره هو اتهامه الإسلام بأنه يفرق بين الناس، فهذا ملحد، وهذا مؤمن، وهذا حنبلي والآخر شافعي، وهذا سني والآخر شيعي، ... وجعله هذا مسوغاً لوجوب نبذ الدين للتخلص من هذه التصنيفات! وهنا لا أملك إلا أن أستغرب من هذا القول؟ أيُتَّهم الإسلام الذي جمع بين الفارسي والرومي والحبشي والقرشي، بين السيد والعبد، بين الأبيض والأسود والأحمر في أُخُوَّةٍ لم تعرف لها البشرية مثيلاً، أيتهم هذا الدين بأنه يفرق بين الناس؟ إن أوروبا والغرب العلماني لا يستطيع مجرد أن يحلم بتحقيق مثل هذه الأخوة بين مكونات شعوبه، فليست تخلو دولة من دول أوروبا من قومية تريد الانفصال وتفجر وتقتل هنا وهناك للوصول إلى غايتها، من إسبانيا إلى فرنسا إلى بريطانيا إلى غيرها من الدول، أما أمريكا، فحدث ولا حرج، فبمجرد أن ينخفض مستوى الغنى بقليل ستذبح القوميات والأعراق والعصابات بعضها البعض في الشوارع، وما حدث عشية أحداث لوس أنجلوس (1994)، وما تلا فيضانات لويزيانا ليس عنا ببعيد. أما عجز هذه الدول عن استيعاب وإدماج المهاجرين من الأعراق المختلفة، فهو أشهر من نار على علم، بل وحتى هذه الدول نفسها تعلن عن عجزها، ولا تزال تنتقل من فشل إلى آخر. أما التصنيفات، فليس يخلو منها بلد، ولا شعب، فالكل يصنف، إما على أساس فكري، أو حزبي، أو عرقي، أو علمي، أو حتى رياضي... ، وليس مهماً أن نُصنِّف، بقدر ما هو مهم أن نبحث العلاقة بين صنفين مختلفين، فما الضير أن يوجد بيننا مالكي وشافعي، إن كانا متآخيين متحابين؟ إن أنصار فريقين رياضيين متنافسين يقتلان بعضها البعض في الشوارع الآن في ظل الأنظمة العلمانية، ومع ذلك فلا يجد الكاتب في ذلك ضرراً، ولكن أن ينتمي مسلمان إلى فريقين فكريين أو فقهيين مختلفين، مع أنه أرقى أنواع الخلاف، فإن الكاتب يعتبر هذا مبرراً لإلغاء الدين ككل؟
إن المناداة بالعلمانية كحل في بلادنا نحن المسلمين هو دليل في نظري على عمق الحضيض الذي وصلنا إليه، فلو أن شعباً مغموراً كالإسكيمو أو سكان أستراليا الأصليين ممن لا حضارة لهم ولا تاريخ تبنوا مثل هذه الدعوة لالتمسنا لهم العذر ولقلنا مغزوٌّ افتُتِن بغازيه، لكن أن يتبناها مسلم ينتمي إلى حضارة سادت العالم على مدى ما يزيد عن 12 قرناً كانت فيه الدولة الإسلامية سيدة العالم دون منازع، فعمَّ الخير في ربوع الدولة، ونَعِمَ الناس بالعدل والأمان، ووُزِّعت الأموال على الناس حتى لم تجد من يأخذها، وأشعَّت على العالم بالعلم والخير والرفاه في وقت كانت أوروبا تغطُّ في سباتٍ عميق ويلفُّها غطاءٌ سميكٌ من الجهل والخرافة، أقول أن يتبنى مسلم دعوى العلمانية، فهذا هو الانضباع بعينه!
إن أهل هذه البلاد مسلمون، أكرمهم الله بهذا الدين منذ نيف و13 قرناً، عاشوها في ظل دُولٍ حكمت بالإسلام، فعرفوا مجداً سطّره لهم التاريخ بماء الذهب، وكانت لهم اليد الطولى في فتح الأندلس والحفاظ عليها لقرون ثم التوغل شمالاً في أوروبا وجنوباً في فيافي وأدغال أفريقيا لنشر الإسلام وهداية الناس إلى الخير، وإن كان أهل أوروبا قد عانوا من تسلط الكنيسة عليهم باسم الدين فقرروا إبعاده عن أمور حياتهم اليومية فذلك شأنهم، أما المسلمون عامة ومنهم أهل المغرب فقد خبروا دينهم فاستيقنوا أن لا رفاه لهم ولا هناء إلا بتطبيق أحكامه والاستنان بهديه، فلم يكن الدين يوماً حاجزاً يحول بينهم وبين التقدم حتى يفكروا في إبعاده، بل على العكس من ذلك تماماً كان على الدوام الحافز الأهم والرافعة الأقوى لاقتعاد أعلى المناصب بين الأمم، كلما أخلصوا دينهم لله، كلما علوا في الدرجات وسادوا من حولهم.
أفنترك الطريق المضمون من رب العالمين، المنار بالأضواء الكاشفة من سنة النبي الكريم والخلفاء الراشدين، المُجرَّب على مئات السنين، لنسلك طريقنا أنبأنا الله أنه لا يقود إلا إلى الهلاك والضنك والشقاء، ثم رأينا تلك النبوءة بأم أعيننا تتجسد فيمن سلكه، بل وفينا حين أعرضنا عنه؟
من ذا الذي ينزع بيده ملاءة عزِّه وثوب فخره وقلادة مجده؟ من يفعل ذلك إلا المجانين!؟
إن القارئ للمقالات التي يكتبها العلمانيون يحس أن الكاتب يحاول بشتى الطرق إقناعنا أن العلمانية هي الحل السحري لكل مشاكلنا، وأن ما نعانيه في حياتنا الآن هو بالأساس نتيجة للتحالف المخزني / المساجدي الذي يبرر للمخزن تجاوزاته بغطاء شرعي من الفقهاء. وسأفترض جدلاً أنني اقتنعت نظرياً بأن العلمانية هي الحل للمشاكل التي نعيشها، إلا أن صعوبة هذا الحل وحجم الجهد اللازم لإقناع الناس به، يقتضي منا، قبل السير فيه أو البدء في الدعوة إليه، وحرصاً على ألا تضيع جهودنا سدىً، دراسة النجاحات التي حققها هذا الحل، ومدى سعادة الناس الذين يعيشون تحت ظل رايته. فمن المعلوم أن أهم وسيلة لإقناع أي مريض باستعمال وصفة معينة، هي إعطاؤه مثالاً حياً لمريض كان يعاني من مثل مرضه، فلما تناول الوصفة المعروضة برء من سقمه، ونقول إذن: أرونا هذه الدولة المثال التي طبقت العلمانية فنضح الخير منها على رعاياها وعلى البشرية؟
· أهي أمريكا التي لا ترفع رأسها من أزمة اقتصادية حتى تهوي على أم رأسها أزمة أفظع منها فتبتلع الأموال بالملايير وتقذف بعشرات الآلاف إلى الفقر والتسول؟ أم أمريكا التي تنشر الرعب والقتل في أنحاء العالم وتبيح لنفسها إسالة أنهار الدماء كي تضمن تدفق النفط والمواد الخام إلى مصانعها؟
· أهي بريطانيا مصاصة الدماء، التي بلغت مستعمراتها المشارق والمغارب، فنهبت منها حتى التخمة، ثم لم ترض أن تخرج من أي بلد حتى زرعت فيه فتنة لا تزال تهلك الحرث والنسل إلى اليوم (كشمير، سنغافورة، فلسطين، ...)؟
· أهي فرنسا التي قتلت بدم بارد في الجزائر ما بين 7 إلى 8 مليون مسلم طوال فترة الاحتلال التي دامت 130 سنة، منهم 1.5 مليون في حرب الاستقلال في الخمسينات من القرن الماضي، و 45 ألفاً في يوم واحد في مذبحة سطيف سنة 1945، ومع ذلك هي لا تزال تستكثر على الضحايا مجرد اعتذار؟ أم فرنسا التي لا تزال تعيش على نهب مستعمراتها السابقة والاستئثار بخيراتها تاركة شعوبها ليأكلهم الفقر والجوع؟ أم فرنسا التي تبيح التعري والإباحية وتحارب الحجاب والنقاب وتضيق على العفيفات؟
· أهي سويسرا التي تعتاش على حماية أموال اللصوص والناهبين من الحكام وحواشيهم الفاسدين وتحميها من أن يستردها أصحابها، ثم ها هي لا تقبل مجرد أن ترتفع مئذنة في سمائها ضاربة بعرض الحائط كل الشعارات البراقة عن التسامح وقبول الآخر التي أصمّت آذاننا بها؟
· أم هي السويد التي تخطف أبناء المسلمين من أحضان آبائهم، ولا تستطيع أن تضمن لشعبها أدنى قدر من الاستقرار النفسي يقيهم من أن يحطموا الأرقام القياسية في معدلات الانتحار؟
أين هي هذه الدولة التي تبشروننا بها يا معشر بني علمان أننا سنصبح مثلها إن نحن تبنينا العلمانية وطبقناها في حياتنا اليومية؟ أهذه هي الأمثلة الساطعة التي يراد لنا أن نتشبه بها ونسير على خطاها؟ دول ميكيافيلة منافقة مجرمة!؟ بئس المثال إذن!
ومع كل ما طرح الكاتب، فإن أغرب ما ذكره هو اتهامه الإسلام بأنه يفرق بين الناس، فهذا ملحد، وهذا مؤمن، وهذا حنبلي والآخر شافعي، وهذا سني والآخر شيعي، ... وجعله هذا مسوغاً لوجوب نبذ الدين للتخلص من هذه التصنيفات! وهنا لا أملك إلا أن أستغرب من هذا القول؟ أيُتَّهم الإسلام الذي جمع بين الفارسي والرومي والحبشي والقرشي، بين السيد والعبد، بين الأبيض والأسود والأحمر في أُخُوَّةٍ لم تعرف لها البشرية مثيلاً، أيتهم هذا الدين بأنه يفرق بين الناس؟ إن أوروبا والغرب العلماني لا يستطيع مجرد أن يحلم بتحقيق مثل هذه الأخوة بين مكونات شعوبه، فليست تخلو دولة من دول أوروبا من قومية تريد الانفصال وتفجر وتقتل هنا وهناك للوصول إلى غايتها، من إسبانيا إلى فرنسا إلى بريطانيا إلى غيرها من الدول، أما أمريكا، فحدث ولا حرج، فبمجرد أن ينخفض مستوى الغنى بقليل ستذبح القوميات والأعراق والعصابات بعضها البعض في الشوارع، وما حدث عشية أحداث لوس أنجلوس (1994)، وما تلا فيضانات لويزيانا ليس عنا ببعيد. أما عجز هذه الدول عن استيعاب وإدماج المهاجرين من الأعراق المختلفة، فهو أشهر من نار على علم، بل وحتى هذه الدول نفسها تعلن عن عجزها، ولا تزال تنتقل من فشل إلى آخر. أما التصنيفات، فليس يخلو منها بلد، ولا شعب، فالكل يصنف، إما على أساس فكري، أو حزبي، أو عرقي، أو علمي، أو حتى رياضي... ، وليس مهماً أن نُصنِّف، بقدر ما هو مهم أن نبحث العلاقة بين صنفين مختلفين، فما الضير أن يوجد بيننا مالكي وشافعي، إن كانا متآخيين متحابين؟ إن أنصار فريقين رياضيين متنافسين يقتلان بعضها البعض في الشوارع الآن في ظل الأنظمة العلمانية، ومع ذلك فلا يجد الكاتب في ذلك ضرراً، ولكن أن ينتمي مسلمان إلى فريقين فكريين أو فقهيين مختلفين، مع أنه أرقى أنواع الخلاف، فإن الكاتب يعتبر هذا مبرراً لإلغاء الدين ككل؟
إن المناداة بالعلمانية كحل في بلادنا نحن المسلمين هو دليل في نظري على عمق الحضيض الذي وصلنا إليه، فلو أن شعباً مغموراً كالإسكيمو أو سكان أستراليا الأصليين ممن لا حضارة لهم ولا تاريخ تبنوا مثل هذه الدعوة لالتمسنا لهم العذر ولقلنا مغزوٌّ افتُتِن بغازيه، لكن أن يتبناها مسلم ينتمي إلى حضارة سادت العالم على مدى ما يزيد عن 12 قرناً كانت فيه الدولة الإسلامية سيدة العالم دون منازع، فعمَّ الخير في ربوع الدولة، ونَعِمَ الناس بالعدل والأمان، ووُزِّعت الأموال على الناس حتى لم تجد من يأخذها، وأشعَّت على العالم بالعلم والخير والرفاه في وقت كانت أوروبا تغطُّ في سباتٍ عميق ويلفُّها غطاءٌ سميكٌ من الجهل والخرافة، أقول أن يتبنى مسلم دعوى العلمانية، فهذا هو الانضباع بعينه!
إن أهل هذه البلاد مسلمون، أكرمهم الله بهذا الدين منذ نيف و13 قرناً، عاشوها في ظل دُولٍ حكمت بالإسلام، فعرفوا مجداً سطّره لهم التاريخ بماء الذهب، وكانت لهم اليد الطولى في فتح الأندلس والحفاظ عليها لقرون ثم التوغل شمالاً في أوروبا وجنوباً في فيافي وأدغال أفريقيا لنشر الإسلام وهداية الناس إلى الخير، وإن كان أهل أوروبا قد عانوا من تسلط الكنيسة عليهم باسم الدين فقرروا إبعاده عن أمور حياتهم اليومية فذلك شأنهم، أما المسلمون عامة ومنهم أهل المغرب فقد خبروا دينهم فاستيقنوا أن لا رفاه لهم ولا هناء إلا بتطبيق أحكامه والاستنان بهديه، فلم يكن الدين يوماً حاجزاً يحول بينهم وبين التقدم حتى يفكروا في إبعاده، بل على العكس من ذلك تماماً كان على الدوام الحافز الأهم والرافعة الأقوى لاقتعاد أعلى المناصب بين الأمم، كلما أخلصوا دينهم لله، كلما علوا في الدرجات وسادوا من حولهم.
أفنترك الطريق المضمون من رب العالمين، المنار بالأضواء الكاشفة من سنة النبي الكريم والخلفاء الراشدين، المُجرَّب على مئات السنين، لنسلك طريقنا أنبأنا الله أنه لا يقود إلا إلى الهلاك والضنك والشقاء، ثم رأينا تلك النبوءة بأم أعيننا تتجسد فيمن سلكه، بل وفينا حين أعرضنا عنه؟
من ذا الذي ينزع بيده ملاءة عزِّه وثوب فخره وقلادة مجده؟ من يفعل ذلك إلا المجانين!؟