الجزء الأول
جاءني أحدهم من أهل الكتاب .. غاضباً .. متجهم الوجه .. ويتكلم بحدة .. وعصبية .. وتشنج .. قائلاً :
لماذا أنتم المسلمون تعتبرون أنفسكم .. كأنكم أوصياء على دين الله ؟؟؟!!!
تنظرون إلى غيركم .. نظرة تكبر .. وغطرسة .. واستعلاء !!!
وتعتبرون أن دينكم .. هو الدين الوحيد المقبول عند الله .. وأن كل البشر غير المسلمين .. هم كفار .. ومأواهم جهنم خالدين فيها !!!
لماذا هذه النظرة الفوقية .. والعصبية .. للآخرين ؟؟؟!!!
من أنتم أيها المسلمون .. حتى تتعاملوا مع الآخرين هذه المعاملة السيئة .. الحاقدة عليهم ؟؟؟!!!
قلت له :
على رسلك .. يا صاحبي .. يا أخي في الإنسانية !!!
هل تريد أن تسمعني بإنصات .. وبتأمل .. وتفكير واسع ..
لأعرض عليك جملة من الحقائق عن الوجود .. والرب المعبود .. ورسله .. ودينه .. بشكل منطقي .. عقلاني .. بعيد عن التزمت .. والعصبية .. والعنصرية .. مع الإستدلال ببعض الآيات القرآنية .. الربانية .. الخالدة .. الثابتة .. ثبات هذا الكون !!!
قال:
هات ما عندك .. وأنا أسمعك .. وكلي آذان صاغية !!!
بادئ ذي بدء .. أحب أن ألفت نظرك – يا صاحبي - إلى أن المصيبة الكبيرة التي تقع بين أفراد البشرية جميعاً هي :
سوء الفهم بين المتحاورين ، وضعف اللغة ، وتأويل الكلام .. بشكل مخالف لما يتضمنه من معاني ، وتفسير بعض الأمور بشكل خاطئ .. سواء كان عن قصد .. أو بدون قصد ، والإعتماد على روايات باطلة أو ضعيفة .. للإستدلال على صحة ما يعتقده .. أو يؤمن به .. أو يقوله !!!
الحقيقة الأولى : وجوب .. وفرضية الإيمان بصفات الله تعالى .. وأسمائه الحسنى .. التي تؤهله كي يكون الإله الواحد .. الأحد .. المسيطر والمهيمن على الكون ( الأرض والسموات ) !!!
وأهم صفة لله تعالى .. أنه واحد لا شريك له .. لا ابن له ولا زوجة ، ولم يلد ولم يولد .. ولم يحل في أي كائن بشري !!!
وبدونها ، لا يمكن لأي عقل بشري .. أن يقبل .. ويقتنع به ..كإله .. مهيمن ..ومسيطر على الكون !!!
وهذا ما يؤكده القرآن الكريم :
لَوْ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ سورة الأنبياء آية 22
والمنطق يقول : طالما أنه إله قادر مقتدر ، خالق الكون .. وجميع المخلوقات التي فيه ، وإذا أراد أن يفعل أي أمر لا يحتاج منه إلا أن يقول له : كن ، فيكون !!!
فما فائدة الولد .. أو الشريك له ؟؟؟
إن الإنسان يحتاج إلى الولد .. لأنه ضعيف .. فيحتاج إلى من يساعده .. وخاصة حينما يكبر ويهرم !!!
ولديه غريزة .. أودعها الله تعلى فيه ، بحبه ، ورغبته في حصوله على الولد !!!
وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم :
ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ سورة الكهف آية 46
أما الله تعالى فهو قوي عزيز ، أبدي سرمدي ، حي لا يموت ، ولا تأخذه سنة .. ولا نوم !!!
ومبرأ من الغرائز البشرية !!!
لَيْسَ كَمِثْلِهِۦ شَىْءٌۭ ۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ سورة الشورى آية 11
علاوة على أن أي ملك بشري .. يرفض أن يشاركه في ملكه وحكمه أحد ، حتى ولو كان إبنه .. بالرغم من ضعفه .. وتعرضه للمرض .. والموت !!!
فكيف يُقبل عقليا أن يكون لله شريك ؟؟؟!!!
الحقيقة الثانية : أن الله تعالى أرسل جميع الرسل .. من لدن آدم .. إلى محمد صلوات الله عليهم جميعا .. برسالة واحدة ، وعقيدة واحدة ، وهي الدعوة إلى عبادة الله .. وحده لا شريك له !!!
ماعدا الشريعة ، التي كانت مختلفة من رسول إلى رسول .. حسب متطلبات البيئة التي أرسل إليها الرسول. .
وطالما أن الله .. واحد .. فمن المنطق .. أن يكون جميع الرسل .. يحملون رسالة واحدة ، ودين واحد .. وأوامر واحدة .. ثابتة .. تدعو إلى عبادته وحده دون سواه .
حتى في حالة الملك البشري .. الضعيف .. العاجز !!!
هل يُتصور عقلا .. ومنطقاً ..أن يرسل إلى شعبه .. رسائل مختلفة .. ومتناقضة .. واحدة .. تأمرهم بطاعته .. وأخرى بطاعة شريكه .. أو نائبه الوهمي ؟؟؟!!!
فمن باب أولى .. ألا يُتصور عقلا .. ولا منطقاً .. أن يكون ملك الملوك .. ورب العالمين .. يرسل رسائل متعاكسة .. مضطربة .. مختلفة !!!
واحدة تدعو إلى عبادته وحده لا شريك .. ولا ند له .. ورسالة أخرى .. تدعو إلى عبادة شريكه .. أو إبنه الوهمي .. المزيف ؟؟؟!!!
وحقيقة الرسالة الواحدة التي أرسلها الله عز وجل .. إلى جميع الرسل هي :
رسالة الإسلام .. الذي هو عبارة عن مصدر لفعل .. هو أسلم .. بمعنى خضع .. واستسلم .. وليس إسماً!!!
وبما أن الله هو الخالق .. وهو رب العالمين .. والمنعم عليهم بنعم لا تعد .. ولا تحصى !!!
فمن حقه الطبيعي .. المنطقي أن يحدد الدين الذي يريده .. وطبيعة العبادةالتي يطلبها منهم جميعا !!!
ومن المنطقي أن يطلب منهم جميعاً .. بلا إستثناء .. الخضوع .. والإستسلام له .. كنوع من أداء الشكر ، له على ما أنعم عليهم!!!
والخضوع .. والتذلل لله وحده .. هو تكريم للعبد الخاضع .. وتشريف له .. مما يجعله .. ممتنعاً عن الخضوع .. والتذلل للعبيد !!!
وهذا ما جاء في كتاب الله :
وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ سورة الذاريات آية 56
من فضلك تابع قرءاة بقية الحقائق .. في الجزء الثاني .. للأهمية القصوى !!!
السبت 28 رمضان 1435
26 تموز 2014
د/ موفق مصطفى السباعي