8- الحلقة الثامنة من دروس وعبر ومواعظ الحج التربوية -8-.
خواطر حول الطواف والبيت العتيق
تستمر اخي الحاج في تكرار التلبية وذكر ربك وتسبيحه وحمده في طريقك الى البيت العتيق وانت محرم، مجتنبا لمحظورات الاحرام، محرما على نفسك ما حرم الله ، ملتزما بحدوده قائما باوامره مجتنبا لنواهيه، فاذا وصلت مكة فكن على طهارة في باطنك من كل شرك او ضلال او جاهلية، وطهر ظاهرك وبدنك من الاحداث والارجاس، وكن على وضوء ثم تبدأ بالطواف سبع اشواط حول البيت، وتحية البيت الطواف، فتبدا الشوط وتنهيه من عند الحجر الاسود مستقبلا له، وان استطعت مقبلا او لامسا له او مشيرا اليه بيدك ان كنت بعيدا ولم يتسنى لك الوصول اليه واستلامه. واعلم انك هنا في هذا الموقف العظيم تقبل على ربك بقلبك وفكرك وعقلك، وليس على الحجارة، وكانك تصافح الله تعالى فقد جاء في الاثر ان الحجر الاسود يرمز الى انه بمثابة يمين الله تعالى في الارض، فانظر باي يد تصافح ربك العظيم، فلتكن يدك طاهرة نقية تائبة من كل كسب حرام اكتسبته او اكسبته غيرها، وطهرها من كل بطش بطشته لغير ربها، ومن كل عمل عملته حراما .طهرها من الرشوة طهرها من الربا طهرها من كل باطل كتبته..طهرها من كل حرام فعلته..اغسلها بدموع الندم..ودموع الخشية..وطيبها بالتوبة الصادقة النصوح..استحضر عظمة الخالق وابدأطوافك لائذا ببيته العتيق مستجيرا به من سخطه وعقابه، متوجها اليه بقلب خاشع تائب طهرته التوبة و دموع الندم على ما فات، راجيا استجابته وعفوه وتوفيقه لك للالتزام بطاعته فيما هو ات..والطواف دوران وانت تطوف حول الكعبة المشرفة بعكس عقارب الساعة منسجما بهذا الطواف مع حركة اجرام الكون التي هكذا تدور حول نفسها وهكذا تدور حول مركزها في مجموعاتها الكونية ..فمثلا الارض هذه حركة دورانها حول نفسها كما هي حركة دورانها حول الشمس..ولاحظ اخي انك تطوف حول البيت راسما خطا بيضويا وليس دائريا ..تماما وكانك كوكب سيار في فلكه ومداره معلنا بذلك انك جئت لله طوعا طائعا مستسلما لارادته سبحانه، ومعلنا استعدادك للسير وفق منهجه القويم الذي اوحاه لك لتنسجم مع حركة الكون والوجود التي افترضها سبحانه عليه رافضا للنشوز، لان الكون والوجود والحياة ومفردات الوجود قائمة على الامتثال لنظام لا يسمح للنشوز، والنشاز فيه مصيره الاحتراق والدمار..انك بهذا الطواف تبدأ رحلة السير على طريق اوائل الهداة من عهد ابيك ادم..ان اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا.. مرورا بعهد ابيك ابراهيم الجد الاعلى لنبيك محمد سلام الله وصلاته عليهم اجمعين، الذي ورث ملته واورثك اياها لتكون مسلما حنيفا مستسلما لله وتحيا بهداه..متوجها اليه بقلبك وفكرك مسلما جوارحك ضابطا لها بشرعه ونور هدايته معلنا له الولاء متبرئا مما سواه..طف ببيت الله..ليكون مركز حياتك ومركز فكرك ومركز عقلك ومركز مشاعرك واحاسيسك رضاه..طف ببيت الله ليكون مدار حياتك ابتغاء رضاه..كن كالراعي يطوف حول الحمى يخاف ان يقع فيه ..و الا ان حمى الله محارمه..فانت تعاهده وعند بيته المحرم بان تنهي شرودك عنه وابتعادك عن هديه وتعلن قربك منه وانابتك اليه، فلا تعد للبعد والمجافاة والشرود عنه وعن هديه ونهج هداه سبحانه.. طف بالبيت واجأر بالدعاء واجهش بالبكاء، وانو على ان تبقى ما بقيت حيا ضمن الدائرة التي رسم الله تعالى لك معالمها وحدها لك بحدود شرعه وهديه، فلا تخرج بنفسك او بجوارحك او بشهواتك عنها، مكيفا النفس ضابطا للهوى ان يكون ضمن حدودها ووفق ارادته سبحانه ورضاه. اكمل طوافك سبعا وانت تسبح بفكرك في ملكوت الله وعظمته، ثم اتخذ من مقام ابراهيم مصلى فخر لله ساجدا بركعتي سنة الطواف، خاضعا لربك معلنا للدخول في باب طاعته والقرب منه وعلى ملة ابيك ابراهيم التي قامت على التوجه لله تعالى بالقلب والقالب والتبرؤ من الشرك واهله ولو كان من اقرب الاقرباء واخص الاحباب، معلنا بين يديه ان تكون عباداتك ونسكك وكل قرباتك له سبحانه وكما شرع، وكذا محياك وكل انشطة حياتك الى مماتك لله وحده لا شريك له.. فانت في موسم التوحيد، وانت اليوم تحيي مسيرة التوحيد لامة الايمان الواحدة من عهد ادم الى ان يرث الله الارض وما ومن عليها.. فاذا صليت في مقام ابراهيم او حيث تيسر لك من نواحي الحرم فاسال الله تعالى ان يحرم لحومنا وشحومنا وعظامنا على النار،، وسر الى ماء زمزم واشرب من ماء الطهارة والحياة والطاعة، لتطفيء لهيب الشهوات والمعاصي السابقة والغفلة، وتغذي وتحيي نبتة التوبة الصادقة..من ماء زمزم ذاك الماء الذي احيا به الله تعالى هذا الوادي المجدب من اسباب الحياة والزرع..فجعل افئدة المؤمنين تهوي اليه استجابة لتلك الدعوة الخالدة وذاك الاذان الابدي..اشرب وتضلع لترتوي من هذا الماء الطهور الذي احيا ارضا بغير زرع عسى ان يمد روحك وتوبتك بغذاء ابدي، فماء زمزم لما شرب له، وهو طُعم طًعٍم، واغسل بهذه الشربة لسانك عن كل كلمة زور او كل غيبة اغتبتها المسلمين او كل كلام ضلالة قلته في حياتك، طهر لسانك فاذا طهرته فلا تعد تستعمله الا في ذكر الله وما والاه من القول الحسن المرضي لله تعالى، واعلم ان الناس يكبهم على مناخرهم في النار حصائد السنتهم ..
وطهر فمك من كل لقمة حرام اكلتها او كل حرام شربته بهذا الماء الطهور.. واغسل امعاءك ومعدتك من كل حرام دخلها، وان استطعت ان تتوضأ منه فافعل لتغسل بدنك من كل حرام نبت به، عسى ان تعود كيوم ولدتك امك ..وتذكر انك ما زلت محرما فاجتنب محظورات الاحرام ولاتنساها او تغفل عنها ..مذكرة لك بولادتك على الفطرة الاولى ..فهل رايت وليدا يقلم اظفاره او يقص شعره او يتزين بطيب لوحده او يصطاد ليؤمن غذاءه واكله..!! انك في هذه الرحلة تمر برحلة الاولين المؤمنين وتتبع مناسكهم، وانك تحيي ذكرى ميلادك وضعفك لتفطم نفسك على مرضاة الله واتباع رضوانه، فان استطعت ان تتعلق باستار الكعبة فافعل لتحضنها كما كنت تحضن حنان امك، وابك على غفلتك واغسل خطاياك بالدموع، فهنا وفي مثل هذا الموقف تسكب العبرات بلا حياء ولا استحياء، والحياء والخجل هنا مما اقترفنا من السيئات والاساءات، وتذكر يوم الحشر والناس تحشر للحساب حفاة عراة غرلا.. لا ينظر احد الى احد، فلكل امريء منهم شان يغنيه، واللهم اجعلنا واياكم من الصالحين الناجين المفلحين ولكم مني اطيب تحية والى لقاء اخرفي محبة الله وطاعته السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2023-06-19, 9:30 pm عدل 2 مرات