بسم الله الرحمن الرحيم
العشائرية في ميزان الشرع (4)
نعم قلنا في حلقة سابقة ان العشائرية قد تطلق ويراد منها منظومة العادات والتقاليد والاعراف التي تحكم وتسير حياة افراد القبيلة في المجتمع وتحكم سلوك وعلاقات الافراد مع بعضهم البعض ومع الاخرين .
وهنا لابد من التفريق بين امور وهي1- العرف العشائري .2- القانون العشائري وما يسمى بالقضاء العشائري وما يتولد عنه من حقوق عشائرية. 3- الاجراءات والترتيبات العشائرية.
1- العرف العشائري
ونقصد به تلك القيم والاعراف التي اعتادها الناس واصبحت مفاهيم وقيم يحترمونها والفوها ويستغربون
غيرها وينكرونه. وهنا نقول ان مفاهيم الاسلام واحكامه قد حكمت امتنا الف وثلاثماية سنة رسميا فكانت هي المسيرة لشؤون الحياة والمنظمة لنشاطاتها والبانية لافكار وعقليات الامة ونتج عن طول هذه العشرة مع الشرع واحكامه والعيش ضمن نطاق تصوراته ومفاهيمه اعراف عامة عند ابناء الامة تمكنت من النفوس وورثتها الاجيال جيلا بعد جيل فلا يعرفون معنى لاستقامة الحياة الا بها فيستحون مما هو منكر شرعا ويعتبرونه عيبا وحتى المكروه الذي كرهه الشرع خضع لمصطلح العيب فيتحرجون من فعله واتيانه . فمثلا في وجوب ستر العورات نجد ان ابناء الامة كانوا يستفضعون ويستهجنون ويستكبرون سفور المراة وينظرون اليها على انها ساقطة لمجرد كشفها عن شيء من جسدها واذا راوا منها ذلك قالوا واصفين لباسها السافر افرنجي نسبة للافرنج وانه امر سيء. بل حتى الرجل كان منكرا عندهم ان يمشي في الشارع كاشفا لراسه ويعنفونه اذا كشف عن ساقيه فما بالك بالانثى التي ينظرون اليها على انها عرض يجب ان يصان؟!
فالاصل في اعراف عشائرنا هو مقياس الحلال والحرام الشرعي الذي تولدت منه اعرافنا وانبثقت عنه تقاليدنا وبالتالي بنيت عليه عاداتنا. وهذا نتيجة لتاصل قيم الاسلام ومفاهيمه في هذه الامة على مدى هذه القرون وعيش امتنا به وعلى اساسه.
2- القانون العشائري وما يعرف بالقضاء العشائري وما يتولد عنه من من حقوق عشائرية .
المجتمع العشائري مجتمع اسري فاذا اهين فيه فرد يرى جميع اقاربه انهم اهينوا ويتداعى الجميع لانصافه ورفع الظلم عنه ورد الاعتبار اليه. وكذلك اذا ارتكب احدهم جناية او مخالفة يتداعى الجميع لاصلاح ما افسد ابنهم بعد ردعه ونهيه وان لم ينتهي اهدروا دمه لطالبيه وذلك وفقا لما يعرف عندهم بقانون التشميس.فتشميس الشخص الخارج عن الاعراف والقوانين العشائرية هو هدر دمه وعدم المطالبة به مهما حصل له حتى لو قتل.وهذا من اقوى الروادع التي تضبط الانسان ان يبقى يعيش ويسير وفق اطار قانون الجماعة وعدم الشذوذ عن اعرافهم وتقاليدهم. وللعشائر قوانينها واعرافها القانونية التي يلتزمون بها في فض الخصومات والمحاكمات والحكومات بين ابنائها وغيرهم في حالة نشوب الخلاف
ويحرصون على انهاء المشكلات والخلافات ويرمي شيوخهم ووجهائهم بثقلهم لانهاء المشاكل واصلاح ذات البين فان اصر الخصم على التحدي هناك تكونالعواقب وخيمة ولا يحمد عقباها وتتحول القضية من مشكلة افراد الى مشكلة جماعات.
والقانون العشائري الذي يطبقه قضاة العشائر وتنفذه الجماعة العشائرية بقوتها والتزامها الادبي حيث من وسائل التنفيذ الكفل والكفيل طبعا غارم وملزم بالوفاء ادبيا ويشترط فيه الملاءة والقدرة وكذلك الوجه ويشترط فيه القوة لحماية وجهه ومنع الاعتداء على من هو في وجهه وجواره.
القانون العشائري هو قانون مستمد من اعراف الشريعة واحكامها في معظم نصوصه واحكامه بل هي اساسه الا انه قد يخالف امور الشريعة في بعض الجوانب التنفيذية فمثلا قاضي العشائر قد يحكم بقطع يد السارق الا انه لايملك سلطة تنفيذية تقطع يد السارق فيبدل العقوبة بغرامة مالية تفوق قيمة المسروق اضعافا فمثلا قد يحكم بثمن يد السارق فيتراضون على مبلغ مالي معين.ويستندون في ذلك الى قصة المخزومية التي سرقت وحاول بنوا مخزوم ان يتوسطوا للاعفاء عن ابنتهم خشية العار والسمعة فرفض النبي سلام الله عليه الشفاعة في حد من حدود الله تعالى فاحرجوا اصحاب السرقة وقدموا لهم اضعاف ثمن السرقة فرضوا وجاء المسروق الى النبي سلام الله عليه متنازلا عن حقه ومسقطا لشكواه فقال له النبي الكريم هلا كان ذلك قبل ان يرفع الي؟
والمقصد سواءا كان القضاء العشائري صحيحا في ميزان الشرع ام مخالفا الا انه ليس وضع اجنبي وليس مما لا اصل له في دين الامة وشرعها بل هو في الاصول شرع لانهم يقولون ما ليس بشرع فهو باطل ويقولون الحق حق الله ويقولون في مواصفات القضاة - التقيين النقيين-ويقولون عنهم -اهل الخوف من الله-ويشترطون ايضا في اوصافهم وسيعي الذهون . ويعتمد القاضي العشائري في احكامه على المحفوظ والماثور من قواعد واحكام وكذلك القياس والاجتهاد فيما يعرض له من حوادث ومستجدات ويحرص على ان تكون احكامه موافقة للكتاب والسنة فلذلك كثيرا ما يلجاون للمفتين وسؤالهم خاصة في الاماكن القريبة من الحواضر.
ولكل قبيلة قضاتها المختصون فهناك قاض للدم ويسمونه قصاص الدماء وقضاة للعرض والنساء وحقوقهن يسمونه المنشد وعند بعضهم يسمونه العقبي وهناك قضاة للخيل يسمونهم الزيود وغير ذلك.
ولا شك اننا لو كلفنا انفسنا بدراسة الحق العشائري دراسة دقيقة لعرفنا مدى تغلغل الاسلام في نفوس وعقليات الامة وما تركه من اثر في بناء عقليات رهيبة ونباهة عجيبة ووعي ليس طبيعي على قضايا الانسان وحل مشكلاته الحياتية خاصة وان الانسان العشائري عاش فترة من الدهور وهو لا يحكم مباشرة من قبل سلطات الدولة يوم كانت الدولة مشغولة بصد الهجمات الخارجية ومتفرغة للجهاد طلبا او دفعا.
فتاصلت سلطات العشائر فيما بينها وتاصلت قوتها لتحكم ابنائها وفق اعراف الشرع الحنيف.
3- الاجراءات والتراتيب العشائرية.
يخلط الناس بين الحق العشائري اي القضاء العشائري وبين الاجراءات العشائرية. والاجراءات العشائرية هي ترتيبات قيمية يسلكها الناس عند نشوب خلاف او قضية بين الناس اولا لعدم استفحال المشكلة وثانيا لعدم التمادي في الشر ووقف انتشاره وثالثا لتسهيل معرفة الاخطاء وبيانواستيضاح الامور وتجليتها وثالثا لتسهيل عمليات الصلح والاصلاح.ومن تلك الاجراءات الدخل ورمي الوجه بين المتخاصمين واخذ العطوة العشائرية من قبل الجاني من اهل وعشيرة المجني عليه والعطوة هي مصطلح يقابل كلمة الهدنة ويكون فيها كفيل وفاء لاي التزام مالي يترتب او اي حق للمجني عليهم مادي او اعتباري وكذلك كفيل دفا اي يامن اهل الجاني على انفسهم من الغدر او الانتقام من انفسهم واموالهم بوجه هذا الكفيل ويستمد الكفيل قوته من قوة عشيرته ومن حقوقه فيما لو قطع بوجهه فيربع حق المعتدى عليه ويدفع للكفيل المقطع بوجهه اربعين من الابل وتوابعها عبد يسوقها وخادم تقودها او ثمن ذلك وهذا ما يجعل الكفل والوجه فعال ويخشى تقطيعه فيمنع الشر ويمنع استفحاله بين البشر.
هذه لمحة موجزة قدمناها في هذه العجالة وارجو من الله تعالى ان اكون قد وفقت لتسليط بعض الضوء على جزء هام من حياتنا المجتمعية اصبح مع كل اسف مجهولا حتى لابناءه ولا حول ولا قوة الا بالله
وحتى نلتقي في لقاء جديد استودعكم من لا تضيع ودائعه تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
العشائرية في ميزان الشرع (4)
نعم قلنا في حلقة سابقة ان العشائرية قد تطلق ويراد منها منظومة العادات والتقاليد والاعراف التي تحكم وتسير حياة افراد القبيلة في المجتمع وتحكم سلوك وعلاقات الافراد مع بعضهم البعض ومع الاخرين .
وهنا لابد من التفريق بين امور وهي1- العرف العشائري .2- القانون العشائري وما يسمى بالقضاء العشائري وما يتولد عنه من حقوق عشائرية. 3- الاجراءات والترتيبات العشائرية.
1- العرف العشائري
ونقصد به تلك القيم والاعراف التي اعتادها الناس واصبحت مفاهيم وقيم يحترمونها والفوها ويستغربون
غيرها وينكرونه. وهنا نقول ان مفاهيم الاسلام واحكامه قد حكمت امتنا الف وثلاثماية سنة رسميا فكانت هي المسيرة لشؤون الحياة والمنظمة لنشاطاتها والبانية لافكار وعقليات الامة ونتج عن طول هذه العشرة مع الشرع واحكامه والعيش ضمن نطاق تصوراته ومفاهيمه اعراف عامة عند ابناء الامة تمكنت من النفوس وورثتها الاجيال جيلا بعد جيل فلا يعرفون معنى لاستقامة الحياة الا بها فيستحون مما هو منكر شرعا ويعتبرونه عيبا وحتى المكروه الذي كرهه الشرع خضع لمصطلح العيب فيتحرجون من فعله واتيانه . فمثلا في وجوب ستر العورات نجد ان ابناء الامة كانوا يستفضعون ويستهجنون ويستكبرون سفور المراة وينظرون اليها على انها ساقطة لمجرد كشفها عن شيء من جسدها واذا راوا منها ذلك قالوا واصفين لباسها السافر افرنجي نسبة للافرنج وانه امر سيء. بل حتى الرجل كان منكرا عندهم ان يمشي في الشارع كاشفا لراسه ويعنفونه اذا كشف عن ساقيه فما بالك بالانثى التي ينظرون اليها على انها عرض يجب ان يصان؟!
فالاصل في اعراف عشائرنا هو مقياس الحلال والحرام الشرعي الذي تولدت منه اعرافنا وانبثقت عنه تقاليدنا وبالتالي بنيت عليه عاداتنا. وهذا نتيجة لتاصل قيم الاسلام ومفاهيمه في هذه الامة على مدى هذه القرون وعيش امتنا به وعلى اساسه.
2- القانون العشائري وما يعرف بالقضاء العشائري وما يتولد عنه من من حقوق عشائرية .
المجتمع العشائري مجتمع اسري فاذا اهين فيه فرد يرى جميع اقاربه انهم اهينوا ويتداعى الجميع لانصافه ورفع الظلم عنه ورد الاعتبار اليه. وكذلك اذا ارتكب احدهم جناية او مخالفة يتداعى الجميع لاصلاح ما افسد ابنهم بعد ردعه ونهيه وان لم ينتهي اهدروا دمه لطالبيه وذلك وفقا لما يعرف عندهم بقانون التشميس.فتشميس الشخص الخارج عن الاعراف والقوانين العشائرية هو هدر دمه وعدم المطالبة به مهما حصل له حتى لو قتل.وهذا من اقوى الروادع التي تضبط الانسان ان يبقى يعيش ويسير وفق اطار قانون الجماعة وعدم الشذوذ عن اعرافهم وتقاليدهم. وللعشائر قوانينها واعرافها القانونية التي يلتزمون بها في فض الخصومات والمحاكمات والحكومات بين ابنائها وغيرهم في حالة نشوب الخلاف
ويحرصون على انهاء المشكلات والخلافات ويرمي شيوخهم ووجهائهم بثقلهم لانهاء المشاكل واصلاح ذات البين فان اصر الخصم على التحدي هناك تكونالعواقب وخيمة ولا يحمد عقباها وتتحول القضية من مشكلة افراد الى مشكلة جماعات.
والقانون العشائري الذي يطبقه قضاة العشائر وتنفذه الجماعة العشائرية بقوتها والتزامها الادبي حيث من وسائل التنفيذ الكفل والكفيل طبعا غارم وملزم بالوفاء ادبيا ويشترط فيه الملاءة والقدرة وكذلك الوجه ويشترط فيه القوة لحماية وجهه ومنع الاعتداء على من هو في وجهه وجواره.
القانون العشائري هو قانون مستمد من اعراف الشريعة واحكامها في معظم نصوصه واحكامه بل هي اساسه الا انه قد يخالف امور الشريعة في بعض الجوانب التنفيذية فمثلا قاضي العشائر قد يحكم بقطع يد السارق الا انه لايملك سلطة تنفيذية تقطع يد السارق فيبدل العقوبة بغرامة مالية تفوق قيمة المسروق اضعافا فمثلا قد يحكم بثمن يد السارق فيتراضون على مبلغ مالي معين.ويستندون في ذلك الى قصة المخزومية التي سرقت وحاول بنوا مخزوم ان يتوسطوا للاعفاء عن ابنتهم خشية العار والسمعة فرفض النبي سلام الله عليه الشفاعة في حد من حدود الله تعالى فاحرجوا اصحاب السرقة وقدموا لهم اضعاف ثمن السرقة فرضوا وجاء المسروق الى النبي سلام الله عليه متنازلا عن حقه ومسقطا لشكواه فقال له النبي الكريم هلا كان ذلك قبل ان يرفع الي؟
والمقصد سواءا كان القضاء العشائري صحيحا في ميزان الشرع ام مخالفا الا انه ليس وضع اجنبي وليس مما لا اصل له في دين الامة وشرعها بل هو في الاصول شرع لانهم يقولون ما ليس بشرع فهو باطل ويقولون الحق حق الله ويقولون في مواصفات القضاة - التقيين النقيين-ويقولون عنهم -اهل الخوف من الله-ويشترطون ايضا في اوصافهم وسيعي الذهون . ويعتمد القاضي العشائري في احكامه على المحفوظ والماثور من قواعد واحكام وكذلك القياس والاجتهاد فيما يعرض له من حوادث ومستجدات ويحرص على ان تكون احكامه موافقة للكتاب والسنة فلذلك كثيرا ما يلجاون للمفتين وسؤالهم خاصة في الاماكن القريبة من الحواضر.
ولكل قبيلة قضاتها المختصون فهناك قاض للدم ويسمونه قصاص الدماء وقضاة للعرض والنساء وحقوقهن يسمونه المنشد وعند بعضهم يسمونه العقبي وهناك قضاة للخيل يسمونهم الزيود وغير ذلك.
ولا شك اننا لو كلفنا انفسنا بدراسة الحق العشائري دراسة دقيقة لعرفنا مدى تغلغل الاسلام في نفوس وعقليات الامة وما تركه من اثر في بناء عقليات رهيبة ونباهة عجيبة ووعي ليس طبيعي على قضايا الانسان وحل مشكلاته الحياتية خاصة وان الانسان العشائري عاش فترة من الدهور وهو لا يحكم مباشرة من قبل سلطات الدولة يوم كانت الدولة مشغولة بصد الهجمات الخارجية ومتفرغة للجهاد طلبا او دفعا.
فتاصلت سلطات العشائر فيما بينها وتاصلت قوتها لتحكم ابنائها وفق اعراف الشرع الحنيف.
3- الاجراءات والتراتيب العشائرية.
يخلط الناس بين الحق العشائري اي القضاء العشائري وبين الاجراءات العشائرية. والاجراءات العشائرية هي ترتيبات قيمية يسلكها الناس عند نشوب خلاف او قضية بين الناس اولا لعدم استفحال المشكلة وثانيا لعدم التمادي في الشر ووقف انتشاره وثالثا لتسهيل معرفة الاخطاء وبيانواستيضاح الامور وتجليتها وثالثا لتسهيل عمليات الصلح والاصلاح.ومن تلك الاجراءات الدخل ورمي الوجه بين المتخاصمين واخذ العطوة العشائرية من قبل الجاني من اهل وعشيرة المجني عليه والعطوة هي مصطلح يقابل كلمة الهدنة ويكون فيها كفيل وفاء لاي التزام مالي يترتب او اي حق للمجني عليهم مادي او اعتباري وكذلك كفيل دفا اي يامن اهل الجاني على انفسهم من الغدر او الانتقام من انفسهم واموالهم بوجه هذا الكفيل ويستمد الكفيل قوته من قوة عشيرته ومن حقوقه فيما لو قطع بوجهه فيربع حق المعتدى عليه ويدفع للكفيل المقطع بوجهه اربعين من الابل وتوابعها عبد يسوقها وخادم تقودها او ثمن ذلك وهذا ما يجعل الكفل والوجه فعال ويخشى تقطيعه فيمنع الشر ويمنع استفحاله بين البشر.
هذه لمحة موجزة قدمناها في هذه العجالة وارجو من الله تعالى ان اكون قد وفقت لتسليط بعض الضوء على جزء هام من حياتنا المجتمعية اصبح مع كل اسف مجهولا حتى لابناءه ولا حول ولا قوة الا بالله
وحتى نلتقي في لقاء جديد استودعكم من لا تضيع ودائعه تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.