الحلقة الخامسة من العشائرية في ميزان الشرع (5)
لقد تعرضت العشائرية في مجتمعنا الى التشويه والاستغلال والتفكيك، بوصفها مكونا اساسيا للمجتمعات العربية المسلمة،وذلك في اطار الهجمة الاستعمارية المسعورة على بلاد الاسلام وعلى الاقوام الحاملة لملته بغية تفكيك المجتمعات وانهاء الروابط التي تجمع الناس،وكان من اهداف حتى الاحزاب التي ادعت القومية واتخذتها شعارا لها تفكيك والغاء العشائرية في المجتمعات العربية. وذلك تماما كما تعرض ديننا الحنيف وبوقت متزامن مع الهجمة الشرسة على الدين وفكره وشريعته ، كذلك كانت الهجمة على العشائرية التي اصبحت قيم الاسلام هي التي توجهها وتهذبها، وحاول الغازون فصلها عن الاسلام وتوظيفها لخدمة اهدافهم ومصالحهم وتنفيذ مخططاتهم وترسيخ وجود المستعمر في بلاد الاسلام باديئ ذي بدء. مما زاد الشباب الذي تثقف حسب برامج وبرمجة الغرب نقمة على العشائرية واهلها حتى ممن هم من ابناءها، و
صورت لهم انها اداة التخلف والتشرذم والانقسام والتفكك وانها تحول دون وحدة الامة والشعوب، فعاد فكر الشعوبية يطغى على عقليات شبابنا المثقف بثقافة خليط برمجتها له مناهج الغرب، وانبهروا به وبقيمه، وصبوا جام غضبهم ومن تبعهم على تركيبة مجتمعهم، والعشائرية كانت بلا ريب حصنا منيعا من حصون الامة وخندقا رديفا لعقيدتها، يحفظ هويتها وانسابها وحتى كيانها، ان وعيها اهلها وتثقفوا بثقافة الاسلام الموافقة لفطرتهم وبساطتهم وعفويتهم وسلامة قلوبهم التي امتازوا بها، ليتعاونوا على البر والتقوى ولا يتعاونوا على الاثم والعدوان. فقد كان للعشائر والقبائل العربية دورا بارزا وفعالا في مناصرة صلاح الدين في حروبه مع الصليبين ، كما وكان لهم دورا بارزا في مناصرة قطز في طرده للمغول، والشواهد على ذلك كثيرة ومن ابرزها في الواقع الذي نعيش الان ، انك تجد معظم اهل فلسطين ولبنان والشام والاردن وسيناء ينتسبون للقبائل العربية ذات الاصول اليمانية والحجازية.
وبنظرة سريعة لتاريخ الاستعمار في بلادنا، نلاحظ ان البلاد التي حكمها الفرنسيون واقاموا فيها انظمة وكيانات حسب رؤاهم للحكم والدولة والبناء الاجتماعي، فقد قضوا على العشائرية في تلك البلاد قضاءا شبه مبرما ، كما في المغرب العربي مثلا وسوريا ولم يعد المجتمع في تلك البلاد يربط نفسه باية رابطة او اصرة نسبية او عشائرية.
اما البلاد التي وقعت تحت حكم الانجليز فنجد انهم ابقوا على العشائرية ووجهوها لتصبح اداة خادمة لهم ولمشاريعهم، وتغلغلوا فيها كما في اليمن فقووها وابقوا على قوتها وحكمها ووجودها. واضعفوها مع عدم القضاء عليها بعد ان استغنوا عن خدماتها لهم، كما في بقية البلدان سواء العراق او الجزيرة او الاردن وفلسطين والسودان وليبيا...
لقد كانت العشائرية في ما مضى من وقت هم اهل الحل والعقد، واهل القوة والمنعة، ولعلنا نذكر جيدا مقولة معاوية بن ابي سفيان في وصفه للاحنف بن قيس، عندما قال لمن حوله لما استغربوا من معاوية ملاطفته له، وحرصه على استرضائه :- هذا الذي اذا غضب ،غضب له سبعون الفا من بني تميم لا يسالونه فيما غضب. ولعلنا ايضا نذكر كيف قامت الاسر والعائلات العشائرية بحفظ بيضة الامة وسلامة كيانها في فترات مختلفة من التاريخ، خاصة عندما كانت تنتاب الدولة المركزية حالة من الضعف وعدم القدرة على دفع المعتدين، كالحمدانيين من العرب، والايوبيين من الكرد، وكذلك العائلات والعشائر التي تولت الحكم في بلاد المغرب، ودافعت واستمات ابناؤها في رد هجمات الاوروبين وصدهم وردهم عن بلاد الاسلام واهله.
نعم لقد كانت العشائرية القوة الرديفة لقوة الشرع ،والمنفذة له، ومن خلالها برز القادة ورجال الحكم والدولة في مختلف العصور.
وقد ينتقد منتقد او يعترض معترض فيقول باني ابرزت النواحي الايجابية للعشائرية وتغاضيت عن النواحي السلبية ...فاقول نعم هذه التي ابرزت حقيقة العشائرية المهذبة التي هذبها الاسلام واقامها سندا له ولاحكامه وحكمه، وما برز للعشائرية من سلبيات فما هو الا من فعل التشويه والتخريب المقصود الذي استهدف ديننا وعقيدتنا وبنائنا الاجتماعي، وبهذا نكون قد قدمنا مقدمة اراها هامة للدارسين والمعنيين سائلين الله العلي القدير ان يعلمنا ما ينفعنا وان ينفعنا بما علمنا وان يرزقنا الفقه ودقة الفهم والبصر والبصيرة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
١أبو علي الزيادي
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2018-10-27, 8:21 pm عدل 1 مرات