العشائرية في ميزان الشرع (1) الحلقة الاولى....
العشائرية نسبة الى العشيرة والعشيرة هي قبيلة الرجل كما في قوله تعالى (وانذر عشيرتك الاقربين) كما تطلق ويراد بها اقارب الرجل من جهة ابيه دون القبيلة، وسبب التسمية مأخوذ من المعاشرة والاختلاط، فعشير الرجل صاحبه القريب كثير التعامل معه، وتطلق على الزوجه والزوج وقرابته من جهة ابيه كما اسلفنا، وفي الحديث ....(وتكفرن العشير) يقصد به الزوج .
حيث ان الانسان غالبا ما يولد ويتربى ويترعرع بين اهله وبني عمومته وذوي قرباه فتكون عشرته الاولى معهم وبينهم، فلذلك سمي ذوي القربى بالعشيرة .
فعشيرة الانسان في المجتمعات العربية قديما وحديثا هم بلا شك غالبا ما يكونون ابناء قبيلته، وقد كانت هذه ميزة المجتمع العربي قبل الاسلام وامتن الله عزوجل عليهم بها في خطابه لهم (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ). وكانت رابطة الدم والنسب هي الرابطة التي تربط بين ابناء القبيلة الواحدة، وكانت علاقاتهم والتزاماتهم تبنى على هذا الاساس، وكانت القبيلة هي الوحدة السياسية والمجتمعية التي تشكل المنظومة الاجتماعية، وهي الرابط الحزبي الدموي الفطري بين الناس، والمظلة التي توفر الامن والحماية لافرادها، ولو اخذنا مكة مثلا، لوجدنا مجتمعها يتكون من قبيلة واحدة وهي قريش، مع انها ام القرى وعاصمة العرب الروحية، التي يقصدها كافة قبائل العرب حجاجا لبيتها المعظم، وتجارا يقصدون اسواقها التجارية والثقافية، فكانت قبيلة قريش تتمتع بعلاقات طيبة مع كافة القبائل، ولها عندهم مكانتها المرموقة .
والناس في اي مجتمع او تجمع بشري يحتاجون الى شرائع وقوانين، ليحتكموا اليها في معاملاتهم ويخضعون انشطة حياتهم لها، فاحتكمت القبائل في الجاهلية الى الموروث من اعراف وعادات وتقاليد واهواء كبرائهم ،وجعلوها هي الفيصل والمقياس ضمن منظومة القيم والتقاليد والاعراف الموروثة، والتي كانوا يقدسونها ويعظمونها ايما تعظيم .
جاء الاسلام الحنيف رسالة ربانية لتجمع كافة بني الانسانية، وهذه التركيبة الاجتماعية الموجودة في المجتمعات العربية، وكتابه بلسان عربي مبين، اول ما كلف به العرب بصفتهم اهل لسان الكتاب المنزل، ليتوحدوا على اساسه ثم ليحملوه نورا وهدى للناس كافة ليوحدوا بني البشر بتعاليمه وشرائعه ،جاعلا رابطة الاخوة الايمانية هي اساس الارتباط والترابط بين بني البشر، من مختلف الاعراق والانساب، فنبههم لاصلهم الواحد المشترك فقال لهم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)النساء ..ووجه رابطة القرابة والدم والعشيرة والقبيلة لتكون رديفا لرابطة الايمان والدين، فيرث القريب المؤمن اخاه في الدم اذا كان مؤمنا ولا توارث بين المؤمن والكافر ولو كان ذا قربى، وجعل الولاء بين الاقارب على اساس الايمان ، فالمؤمن يطالب بدم اخيه المؤمن ولا يطالب ولا يناصر قريبه الكافر، فاصبح الولاء والبراء بين ذوي القربى بني الدم الواحد على اساس الاسلام، فلا موالاة ولا مناصرة بين مؤمن وكافرمهما كانت تربطهما درجات القربى والدم .
ومن هنا دخلت القبائل العربية ومجتمعاتها القائمة على اساسها اصلا، مرحلة جديدة وهي مرحلة الاستسلام والانقياد والاذعان لحكم الله تعالى وشرعه الحنيف، و التي بدورها حولت القيم وغيرت المفاهيم وارتقت بمفاهيم وقيم الاسلام وسمت عن قيم ومفاهيم الجاهلية ،لتصبح نظرتها نظرة عالمية انسانية تشمل جميع البشر،وتجعل منهم بهذه الرسالة قوامين لله بالحق على خلقه ، ومع طول الزمن الذي حكم فيه الشرع الحنيف الذي ناف عن الف وثلاثماية سنة اصبحت احكامه وشريعته عرفا سائدا وعادات وتقاليد متبعة لتمكنها في حياة الناس ومن نفوسهم التي انطبعت بها، و التي الفتها ولا تألف سواها ولا ترضى او تستسيغ لها بديلا.
فالاسلام لم يلغ القبلية ولا العشائرية كما يتوهم البعض، وكما اذاعه الشعوبيون في امتنا لكنه وجهها وهذبها، وجعلها قوة خادمة لفكرته وحاملة للواءه، يتنافس الناس فيما بينهم لخدمته ورفع رايته، ولم يجعلها اصل الاجتماع، بل اصبح الاجتماع بين اجناس البشر على اساس الاسلام وبفكره وقيمه واحكامه، والدليل على ذلك ان الاسلام شرع كثيرا من الاحكام وجعل سببها الدم ورابطة القرابة كاحكام الميراث واحكام الدية سواء في اخذها او دفعها والقاعدة فيها الحديث الشريف ( الغرم بالغنم) واحكام النفقات الواجبة واحكام صلات ذي القربى واحكام وجوب الاحسان لذوي القربى واولويتهم بالمعروف والصدقة واحكام المحارم من الرجال والنساء واحكام الولاية والوصاية وغير ذلك من الاحكام الشرعية القائمة بسبب النسب والدم .
والى لقاء اخر استودعكم الله دينكم واماناتكم وخواتيم اعمالكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2018-10-25, 10:19 pm عدل 3 مرات