العشائرية في ميزان الشرع (2) الحلقة الثانية:-
لقد جند الاسلام بعقيدته التوحيدية وثقافته الراقية، عشائر وقبائل العرب لحمل رايته ولواءه ،بعد ان صهرهم في بوتقة الاخوة الايمانية العقائدية، فحمل الفاتحون الاوائل من العرب رسالة الاسلام الى العالمين شرقا وغربا، حيث ادركوا ان مسؤولية نشر هذا الدين وقعت على كواهلهم يوم اختار الله تعالى نبيه الخاتم منهم، واختار لغتهم لتكون لغة الكتاب الاخير المعجز بلسانهم، فاصطفاهم بذلك على العالمين ليكونوا هداة البشرية وحملة لواء التوحيد والنور للانسانية كافة. وتسلحوا اثناء سيرهم شرقا وغربا بقوة الطاقة العقائدية الايمانية الربانية، متخذين منها قاعدة فكرية وثقافية سمت بهم وتسموا بمن يعتنقها فكريا وسلوكيا، وتساندها قوة الطاقة العربية، وما في اللسان العربي من ميزات وقدرات لاجلها اختاره الله تعالى لسان دعوته، فاللسان ليس مجرد الفاظ يترجمها المترجمون الى مرادفات مقابلة، بل معاني وطبائع مغروسة في النفوس، واخلاق كريمة لطالما تفاخر بها العرب، ورثوها من عهد ابيهم اسماعيل عليه السلام، واصبحت قيم عليا في حياتهم يتغنون بها وتمجدها اشعارهم، ويتفانون من اجلها لما لها من عشق في نفوسهم يصل حد القداسة، كاغاثة الملهوف واطعام الجائع واكرام الضيف ونصرة الجار والمستجير .. اضف الى ذلك استعدادهم للقتال الذي كان شبه فطري عندهم، فسخر الاسلام هذه القوى في نفوسهم لحمل رايته ومشعل هدايته ونوره للعالمين، فانطلقت مسيرة الفتح مُخضعة اعاجم الشرق والغرب لدينهم وفكرهم ومنهجهم الجديد، وتبع ادخالهم في الدين بمفاهيمه وقيمه واحكامه ادخالهم في لغة اللسان، بما يحمل من طباع ومكارم بحركة التعريب التي كانت تجري بالرغبة و بحركة انسيابية طبيعية ، وفك عجمة الالسنة وعجمة النفوس التي كانوا عليها.
وفي هذه المحطة من محطات هذا التحول التاريخي العظيم لشعوب الارض ظهر عندنا اتساع لمفهوم الموالي الذي كان مقتصرا من قبل على العبد المعتق او المحرر او التحالفات القبلية، التي كانت يندمج بها فريق ضعيف او مكافيء، مع فريق قوي للتقوي به وللامن والحماية والنصرة، وكما يعرف ويقال عندهم الدم الدم والهدم الهدم، او بما يعرف حديثا عند العشائر بحرق الثوب في الثوب، بحيث يدخل جماعة في حلف جماعة ويحرقون ثيابهم مع بعضهم دلالة على انهم اصبحوا كيانا واحدا، اتسع المصطلح ليشمل اخواننا العجم، الذين دخلوا هذا الدين الجديد افرادا وفئام، فاصبحوا بحاجة الى من يحميهم، ويحفظ تجارتهم واموالهم، ويساندهم في المجتمع الجديد عليهم، وليسهل عليهم عملية تعريبهم، فدخلت جماعات العجم من اخواننا المؤمنين بديننا الجديد في بطون قبائلنا العربية، ليمتزجوا وينصهروا في بوتقة الاسلام التي لم تجعل لعربي على اعجمي فضلا الا بالتقوى.
بقي هذا هو حال مسيرة الفتح زمن الراشدين ففتحت فارس ، وتعربت اقوام من الفرس وفتح القبط وتعرب القبط، وفتحت النوبة وتعرب النوبيون، وفتحت بلاد البربر وعرب الاسلام البربر، واستمر هذا النهج الفتوحي زمن الامويين كاملا والبلاد تفتح ويسلم اهلها ويتعربون، وكان هذا بفعل نقل الطاقة الاسلامية المنبعثة من فكر وقيم ومفاهيم العقيدة ممزوجة بالطاقة العربية الكامنة في قيم وطباع اللسان واهله، الى البلاد المفتوحة واهلها . الى ان جاء العصر العباسي وبسبب ظهور الحركة الشعوبية وما لاقته من رواج لافكارها، التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، والتي لاقت استهواءا ورواجا بين ابناء الموالي ومن تقلد منهم علية المناصب، وكذا عند ابناء الجواري ممن تقلد مقاليد الحكم والخلافة، وبدات تظهر علامات ازدراء العرب وتقدم غيرهم عليهم، وظهرت حركة تشويه تاريخ العرب وازدرائهم، او تذكيرهم بكبواتهم في غابر الازمان وحتى وصل الامر للغمز واللمز بلغتهم ولسانهم، وبالتالي اثارة الشبهات حول القران الكريم ولسانه المبين، واظهر الزنادقة الوانا من الكفر والشك والتشكيك بالملة واهلها وحملة رايتها ولوائها للعالمين،والتي مازال يجترها اهل الزندقة والالحاد في زماننا هذا الذي نعيش، وثارت الفتن وتطاولت الباطنية، واظهرت انيابها ومخالبها غارسة لها في لحمة وحدة الامة، لتمزقها شيعا واحزابا كل حزب بما لديهم فرحون، وبدا الانحطاط الفكري والذي من الملاحظ انه تزامن مع استعجام العرب والمستعربون عن لسان كتابهم، وتراجعت مسيرة الفتح وصرنا نُغزى في عقر ديارنا، بعد ان كنا نغزوا ويفر اعداؤنا من مسيرنا اليهم على مسيرة شهر.
واقف معكم اليوم هنا لنكمل مشوارنا في حلقة جديد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2018-10-25, 11:17 pm عدل 1 مرات