خطورة اتخاذ الواقع مصدرللتفكير
حين يكون التفكير ردة فعل للواقع او عن الواقع يقع التيه والخطأ ويجافي الناس الصواب ، وذلك لان الاصل في التفكير ان يكون الواقع موضعا له لا مصدرا له ولا اساسا ومرجعا ينطلق منه المفكر. بل تنصب عملية التفكير على الواقع لفهمه وادراك ابعاده وكنهه، وهو ما نسميه في علم الاصول تحقيق المناط . ثم ينطلق المفكر المستنير او المجتهد ومن خلال قاعدته الفكرية المتبناة عنده لتفسير الواقع وانزال الاحكام العقلية المنبثقة من قاعدته الفكرية اي العقيدة على ذاك الواقع. فاما بعدها يستوجب التغيير للواقع لتتجسد فيه الفكرة الحقة، واما يتم اقراره ان كان منسجما مع القاعدة الفكرية، واما يتوجب توجيهه واصلاحه وفق ما تقتضيه الشريعة والاحكام الشرعية المتبناة.
وحين يتخذ الناس الواقع مصدرا للتفكير تنحط الافكار، وتكثر التمنيات وتقل الاعمال ويضطرب ويتيه الانسان ويلتبس عليه المسار، وتفتر الهمم ويتبلد الاحساس ويهبط الانسان ولا يرتقي ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ (12)البقرة).ذلك انهم رأوا ما يفعلونه منسجما مع واقعهم الذي يعيشون والذي هو مصدر تفكيرهم فانسجموا معه واستمرأوه وراق لهم ما كانوا به يفسقون فلم ينتبهوا ولم تعد احاسيسهم قادرة على التمييز بين فساد وصلاح فافسدوا في الارض وهم لا يشعرون.
فمن الاخطاء القاتلة ان يتخذ الواقع مصدرا للتفكير، لان ذلك قتل للعقل وتقييد له بحدود وحيثيات ذاك الواقع. وقد يكون اتخاذ الواقع مصدر للتفكير والقياس العقلي سبب للضلال كما حصل للفلاسفة في قديم الازمان، حيث وصلوا بفكرهم وتفكيرهم الى حقيقة ان الله تعالى واجب الوجود والا لما كان هناك موجود، ولكنهم ضلوا يوم بحثوا في ذاته التي لن يحيط بها فكر او احساس وادراك، فقاسوه على ما يقع تحت حواسهم من وقائع بذريعة قياس الغائب على الحاضر..وهذا هو اتخاذ الواقع مصدر للتفكير والاحكام العقلية على ما لا يقع عليه الحس، فنتج عن ذلك عندهم الضلالة الكبرى وهي التجسيد والتجسيم، حيث انغلق العقل عندهم ووقع اسيرا لحدود المادة وقيودها، فلم يستطع ان يتصور وجودا مطلقا عن المادة وقيودها التي تفرض لوجودها جسدا وشكلا وكتلة وماهية ....
وقد يكون التفكير ردة فعل على الواقع او عنه لسلامة الحواس وادراك صاحبها مخاطر الواقع ومخاطر المضي فيه وبقاءه. الا ان ردة الفعل ينبغي ان تكون قائدة للتغيير وليس للتفكير.فالتفكير كردة فعل قد يجنح بك عن الطريق القويم ، وينتج لك افكارا خاطئة او يوقعك في متاهات ومغالطات، كما حصل تاريخيا لبعض علمائنا الاجلاء، كابن حزم وابن تيمية رحمهم الله تعالى حيث فشا في زمانهم ما يعرف بتاويل القران والنصوص الشرعية من قبل اصحاب الاهواء، من اهل الملل والنحل المختلفة، ولي اعناق النصوص حسب الهوى، لتخدم مفاهيمهم وافكارهم دون الالتزام بضوابط اللغة ومفاهيم العقيدة، واحيانا بالخروج عن نظام اللغة ومنظومة الفهم العقائدي السليم الذي وعته الامة سلفا وخلفا، خاصة بعد ترجمات الفلسفات شرقيها وغربيها، وظهور المدارس الفلسفية في الاسلام، والتي ادت الى ظهور مدارس المتكلمين ومذاهب علم الكلام . فكانت ردة الفعل عند الامام ابن حزم الظاهري رحمه الله ان انكر واقعا موجودا في لغة العرب وهو اسلوب المجاز، فنفى وجوده اصلا في اللغة كلها. وكذا كانت ردة فعل الامام ابن تيمية رحمه الله الذي اقر به في اللغة وانكر وجوده في القران الكريم، واعتبرا ان كل ما في القران من امثال هي اقوال على الحقيقة وليس فيها مجاز.
وهنا نرد بقول واحد اليس العمى مجازي في قوله تعالى ((ومن كان في هذه اعمى فهو في الاخرة اعمى واضل سبيلا))الاسراء 72.وهو كناية عن الهداية؟؟!!
ومن مخاطر اتخاذ الواقع مصدر للتفكير ما يعرف اليوم بفرض سياسة الامر الواقع التي تقتضي التعامل مع الواقع على علاته والقبول به كيفما كان، فيساون بمقتضى هذه السياسة بين الضحية والجلاد وبين الناهب والمنهوب والسالب والمسلوب ، وبالتالي تفرز هذه السياسة حلا وسطا يجبرون فيه الضحية على قبول جلادها !!!
وارجو من الله العلي القدير ان يسددنا ويوفقنا ويرزقنا دوما الفهم السليم والفقه المستقيم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2023-05-09, 12:56 am عدل 4 مرات