سويسرا، الحياد الكاذب
عرض كتاب صدر سنة 2019 باللغة الألمانية بعنوان ( Die Schmutzigen Geheimnisse des Goldhandels und wie man aufräumt ) يمكن ترجمته كالتالي "غسل الذهب - الأسرار القذرة لتجارة الذهب وكيفية تنقيته"، أو يمكن ترجمة كالتالي إلى الإنغليزية ( The dirty secrets of the gold trade and how to clean up ) من تأليف "مارك بيث"، أستاذ قانون بجامعة "بازل" السويسرية، وخبير في مكافحة الفساد...
يهتم الكاتب بتاريخ "غسيل" الذهب، ذي المصادر المشبوهة، في سويسرا، وبتعتيم الدّولة على عملية تجارة الذهب العالمية، التي ترتفع أرباحها، وتحتكرها سويسرا.
تكْمُنُ أهمية الكتاب في تسليط الضوء على تجارةٍ غلّفها المُستثمرون والدولة، بتعتيم كبير، سواء تعلق الأمر بمصادر الذهب الخام (شهادة المَنْشَأ)، أو بظروف عمل من يستخرجونه، والذين يتعرضون إلى مخاطر جَمّة، قد تؤدّي بحياتهم...
يتناول الجانب التاريخي للكتاب، الحياد السويسري المَزْعُوم خلال الحرب العالمية الثانية، والذي يَصِفُهُ الكاتب ب"الفصل المُظلم الذي لن يغفَره التاريخ لسويسرا"، التي اشترت حكومتها كميات ضخمة من الذهب، من الطَّرَفَيْن المتحارِبَيْن، من الحلفاء (فرنسا وبريطانيا وغيرها) ومن دول المحور (ألمانيا وإيطاليا واليابان)، واستبدَلت الذهب بالفرنك السويسري، العملة الوحيدة التي كانت قابلة للتحويل الحر، آنذاك، وبشكل مستقل عن الدولار الأمريكي، مما مَكّن ألمانيا النّزِيّة، من الإستفادة من "حياد" سويسرا، لتكثيف المبادلات، بالفرنك السويسري، مقابل استحواذ المصرف القومي السويسري على حوالي 90% من ذهب ألمانيا، ومن ضمنه الذهب الذي نهبه الجيش الألماني من البلدان الأوروبية التي احتلها ( اليونان وأوروبا الوسطرى والشرقية وروسيا والنمسا وبلجيكا وهولندا والنرويج...)، بالإضافة إلى ما يوجد في خزينة المصارف التجارية السويسرية، الأخرى، والذي قُدّرت قيمته بنحو 1,7 مليار دولارا (سنة 1945)، وشكلت سويسرا، المشرف الرئيسي على المعاملات المصرفية وعمليات الوساطة المالية لألمانيا النازية، بفضل ما جمعته من الذهب والعملات الأجنبية، وتكتّمت الحكومة السويسرية، بنهاية الحرب العالمية الثانية، على حجم ومصدر الذهب، واكتفت ب"رشوة" الدول المُنْتَصِرَة في الحرب (مع استثناء الإتحاد السوفييتي)، وسددت "تعويضات" سنة 1946، بقيمة حوالي 250 مليون دولارا، لكل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، دون نشر أي خبر عن الحسابات التي لم يظهر أصحابها، أو أي وريث...
بعد ذلك، دعمت سويسرا نظام الميز العنصري بجنوب افريقيا، من خلال احتكار تجارة الذّهب، حيث اغتنمت ثلاثة من أكبر المصارف السويسرية، حادثة انهيار "تَجَمّع الذهب" في لندن ( London Gold Pool ) سنة 1968، والذي كان يحتكر تجارة ذهب جنوب إفريقيا العنصرية، لإنشاء "تجمّع زوريخ للذهب"، وتفاوض التّجَمّع السويسري مع حكومة جنوب افريقيا (العنصرية) لتسويق إنتاجها من الذهب والمعادن الثمينة الأخرى ك"الماس"، عبر سويسرا (التي كانت تبيع السلاح لجنوب افريقيا)، وأصبحت مصافي تجمّع المصارف السويسرية ( يو بي إس وكريدي سويس ومؤسسة البنك السويسري) تُعيد صَهْرَ نحو 80% من الذهب المستورد من جنوب إفريقيا، خلال فترة الحظر والمُقاطعة العالمية، ويتم خَتم هذا الذّهب بخَتْمِ الجَوْدَة السّويسري، ولذلك توقّفت سويسرا، منذ سنة 1981، عن نشر الإحصاء الرسمي بشأن تجارة الذّهب، وأَشْرَفَ "البنك القومي السويسري" على عملية إعادة هيكلة اقتصاد ومالية جنوب افريقيا وإنقاذ اقتصادها الذي كان على عَتَبَةِ الإفلاس، بسبب المُقاطعة، في بداية عقد ثمانينات القرن العشرين...
تطوّرت صناعة تكرير الذّهب في سويسرا، بفضل انتهازية المصارف والحكومة، التي استغلت صفة "الحياد" الكاذب (والمَشْبُوه) لتحتكر سويسرا صناعة تكرير، وإعادة صَهر وخَتم الذهب المشكوك في مصدره، ومن ضمنه الذهب المُهرّب من مناطق الحرب، التي تُديرها الشركات متعددة الجنسية، وتضم سويسرا حاليا، سويسرا، أربعة من أكبر مصافي تكرير الذهب في العالم، وتستورد ما يصل إلى 70% من الذهب العالمي، ويأتي هذا الذهب من أمريكا الجنوبية وآسيا وإفريقيا، ومن مناطق يتم فيها انتهاك حياة البشر والطبيعة، وإلحاق الضرر بالعاملين وبالمياه وبالمناخ، وفي سنة 2013، قدمت منظمة "ترايل إنترناشونال" شكوى ضد سويسرا، وكَشَفَ تحقيقُ بعض القُضاة المُسْتقلِّين السويسريِّين عن تكرير المصفاة السويسرية المملوكة لاتحاد المصارف السويسرية (يو بي إس ) عدة أطنان من الذهب المنهوب من شرق الكونغو، خلال حرب إبادة جماعية راح ضحيتها ما لا يقل عن ستة ملايين شخص، وكان اتحاد المصارف السويسرية يدّعي إن أوغندا (التي لا تُنْتِجُ الذهب) هي مَصْدَر الذّهب، ودام التحقيق سَنَتَيْن، دون نتيجة، ورفضت الدولة السويسرية تبني لوائح وقوانين صارمة، بشأن تحديد مصدر المعادن النفيسة، وبشأن تجارَتِها، وتتذرّع الحكومة الحالية ب"الحرص على احتفاظ صناعة الذهب السويسرية بقدرتها التنافسية"... عن "سويس انفو" 16/07/2019 (بتصرف) + تقارير منظمات غير حكومية ومن بينها "جمعية الشعوب المُهدَّدَة" و "العين العُمُومية"...
عرض كتاب صدر سنة 2019 باللغة الألمانية بعنوان ( Die Schmutzigen Geheimnisse des Goldhandels und wie man aufräumt ) يمكن ترجمته كالتالي "غسل الذهب - الأسرار القذرة لتجارة الذهب وكيفية تنقيته"، أو يمكن ترجمة كالتالي إلى الإنغليزية ( The dirty secrets of the gold trade and how to clean up ) من تأليف "مارك بيث"، أستاذ قانون بجامعة "بازل" السويسرية، وخبير في مكافحة الفساد...
يهتم الكاتب بتاريخ "غسيل" الذهب، ذي المصادر المشبوهة، في سويسرا، وبتعتيم الدّولة على عملية تجارة الذهب العالمية، التي ترتفع أرباحها، وتحتكرها سويسرا.
تكْمُنُ أهمية الكتاب في تسليط الضوء على تجارةٍ غلّفها المُستثمرون والدولة، بتعتيم كبير، سواء تعلق الأمر بمصادر الذهب الخام (شهادة المَنْشَأ)، أو بظروف عمل من يستخرجونه، والذين يتعرضون إلى مخاطر جَمّة، قد تؤدّي بحياتهم...
يتناول الجانب التاريخي للكتاب، الحياد السويسري المَزْعُوم خلال الحرب العالمية الثانية، والذي يَصِفُهُ الكاتب ب"الفصل المُظلم الذي لن يغفَره التاريخ لسويسرا"، التي اشترت حكومتها كميات ضخمة من الذهب، من الطَّرَفَيْن المتحارِبَيْن، من الحلفاء (فرنسا وبريطانيا وغيرها) ومن دول المحور (ألمانيا وإيطاليا واليابان)، واستبدَلت الذهب بالفرنك السويسري، العملة الوحيدة التي كانت قابلة للتحويل الحر، آنذاك، وبشكل مستقل عن الدولار الأمريكي، مما مَكّن ألمانيا النّزِيّة، من الإستفادة من "حياد" سويسرا، لتكثيف المبادلات، بالفرنك السويسري، مقابل استحواذ المصرف القومي السويسري على حوالي 90% من ذهب ألمانيا، ومن ضمنه الذهب الذي نهبه الجيش الألماني من البلدان الأوروبية التي احتلها ( اليونان وأوروبا الوسطرى والشرقية وروسيا والنمسا وبلجيكا وهولندا والنرويج...)، بالإضافة إلى ما يوجد في خزينة المصارف التجارية السويسرية، الأخرى، والذي قُدّرت قيمته بنحو 1,7 مليار دولارا (سنة 1945)، وشكلت سويسرا، المشرف الرئيسي على المعاملات المصرفية وعمليات الوساطة المالية لألمانيا النازية، بفضل ما جمعته من الذهب والعملات الأجنبية، وتكتّمت الحكومة السويسرية، بنهاية الحرب العالمية الثانية، على حجم ومصدر الذهب، واكتفت ب"رشوة" الدول المُنْتَصِرَة في الحرب (مع استثناء الإتحاد السوفييتي)، وسددت "تعويضات" سنة 1946، بقيمة حوالي 250 مليون دولارا، لكل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، دون نشر أي خبر عن الحسابات التي لم يظهر أصحابها، أو أي وريث...
بعد ذلك، دعمت سويسرا نظام الميز العنصري بجنوب افريقيا، من خلال احتكار تجارة الذّهب، حيث اغتنمت ثلاثة من أكبر المصارف السويسرية، حادثة انهيار "تَجَمّع الذهب" في لندن ( London Gold Pool ) سنة 1968، والذي كان يحتكر تجارة ذهب جنوب إفريقيا العنصرية، لإنشاء "تجمّع زوريخ للذهب"، وتفاوض التّجَمّع السويسري مع حكومة جنوب افريقيا (العنصرية) لتسويق إنتاجها من الذهب والمعادن الثمينة الأخرى ك"الماس"، عبر سويسرا (التي كانت تبيع السلاح لجنوب افريقيا)، وأصبحت مصافي تجمّع المصارف السويسرية ( يو بي إس وكريدي سويس ومؤسسة البنك السويسري) تُعيد صَهْرَ نحو 80% من الذهب المستورد من جنوب إفريقيا، خلال فترة الحظر والمُقاطعة العالمية، ويتم خَتم هذا الذّهب بخَتْمِ الجَوْدَة السّويسري، ولذلك توقّفت سويسرا، منذ سنة 1981، عن نشر الإحصاء الرسمي بشأن تجارة الذّهب، وأَشْرَفَ "البنك القومي السويسري" على عملية إعادة هيكلة اقتصاد ومالية جنوب افريقيا وإنقاذ اقتصادها الذي كان على عَتَبَةِ الإفلاس، بسبب المُقاطعة، في بداية عقد ثمانينات القرن العشرين...
تطوّرت صناعة تكرير الذّهب في سويسرا، بفضل انتهازية المصارف والحكومة، التي استغلت صفة "الحياد" الكاذب (والمَشْبُوه) لتحتكر سويسرا صناعة تكرير، وإعادة صَهر وخَتم الذهب المشكوك في مصدره، ومن ضمنه الذهب المُهرّب من مناطق الحرب، التي تُديرها الشركات متعددة الجنسية، وتضم سويسرا حاليا، سويسرا، أربعة من أكبر مصافي تكرير الذهب في العالم، وتستورد ما يصل إلى 70% من الذهب العالمي، ويأتي هذا الذهب من أمريكا الجنوبية وآسيا وإفريقيا، ومن مناطق يتم فيها انتهاك حياة البشر والطبيعة، وإلحاق الضرر بالعاملين وبالمياه وبالمناخ، وفي سنة 2013، قدمت منظمة "ترايل إنترناشونال" شكوى ضد سويسرا، وكَشَفَ تحقيقُ بعض القُضاة المُسْتقلِّين السويسريِّين عن تكرير المصفاة السويسرية المملوكة لاتحاد المصارف السويسرية (يو بي إس ) عدة أطنان من الذهب المنهوب من شرق الكونغو، خلال حرب إبادة جماعية راح ضحيتها ما لا يقل عن ستة ملايين شخص، وكان اتحاد المصارف السويسرية يدّعي إن أوغندا (التي لا تُنْتِجُ الذهب) هي مَصْدَر الذّهب، ودام التحقيق سَنَتَيْن، دون نتيجة، ورفضت الدولة السويسرية تبني لوائح وقوانين صارمة، بشأن تحديد مصدر المعادن النفيسة، وبشأن تجارَتِها، وتتذرّع الحكومة الحالية ب"الحرص على احتفاظ صناعة الذهب السويسرية بقدرتها التنافسية"... عن "سويس انفو" 16/07/2019 (بتصرف) + تقارير منظمات غير حكومية ومن بينها "جمعية الشعوب المُهدَّدَة" و "العين العُمُومية"...