قضية تحرير المرأة
[بطل] هذه القصة هو: قاسم أمين..
شاب نشأ في أسرةا تركية مصرية- أي محافظة- فيه ذكاء
غير عادي. حصل على ليسانس الحقوق الفرنسية من
القاهرةا وهو في سن العشرين. بينما كان هناك في عصره
من يحصل على الشهادةا البتدائية في سن الخامسة
والعشرين!
ومن هناك التقطه الذين يبحثون عن الكفاءات النادرةا
والعبقريات الفذةا ليفسدوها، ويفسدوا المة من ورائها!
التقطوه وابتعثوه إلى فرنسا.. لمر يراد.
اطلع قبل ذهابه إلى فرنسا على رسالة لمستشرق يتهم
السلما باحتقار المرأةا وعدما العتراف بكيانها النساني.
وغلى الدما في عروقه- كما يصف في مذكراته- وقرر أن يرد
على هذا المستشرق ويفند افتراءاته على ا لسلما.
ولكنه عاد بوجه غير الذي ذهب به! لقد أثإرت رحلته إلى
فرنسا في هذه السن المبكرةا تأثإيرا بالغا في كيانه كله، فعاد
إلى مصر بفكر جديد، وعقل جديد، ووجهة جديدةا..عاد يدعو
هاته الفتيات السائحات من التربية والتعليم. ذلك اليوما
الذي ترى فيه المسلمات جالسات جنبا إلى جنب مع
الشبيبة المصرية في اجتماع أدبي كاجتماع اليوما.
فيشاركننا في لذةا الدبيات والعلوما التي هن منها
محرومات. فعسى أن تحقق المال حتى يرتقين فيرتقي
بهن الشعب المصري )).
والن وقد صار للمرأةا [قضية] فلبد للقضية من تحريك.
وتبني القضية فريق من النسوةا على رأسهن هدى
شعراوي، وفريق من الرجال المدافعين، عن حقوق
المرأةا. وأصبح الحق الول الذي تطالب به النسوةا هو
السفور! وصارت القضية التي يدور حولها الجدل هي
السفور والحجاب!!
من أين جاءت القضية؟!
حين قامت الحركة النسوية في أوروبا كان للمرأةا بالفعل
قضية! قضية المساواةا في الجر مع الرجل الذي يعمل
معها في المصنع نفسه وساعات العمل نفسها، بينما
تتقاضى هي نصف ما يتقاضاه الرجل من الجر .
وحين اتسعت القضية هناك وتعددت مجالتها- تلقائيا أو
بتخطيط الشياطين- فقد كان محورها الول هو قضية
المساواةا مع الرجل في الجر، ترجع إليه كلما طالبت أو
طولب لها بحق جديد. حتى أصبحت القضية هناك في
النهاية هي قضية المساواةا التامة مع الرجل في كل
شيء، ومن بين كل شيء [حق الفساد] الذي كان الرجل
قد وصل- أو وصل- إليه، فصار حق الفساد داخآل بدوره
في قضية المرأةا، تحت عنوان [حق المرأةا في اخآتيار
شريك حياتها] في مبدأ المر، ثإم تحت عنوان [حق
المرأةا في أن تهب نفسها لمن تشاء]!!
أما في مصر- أو العالم السلمي- فلم تكن للمرأةا قضية
خآاصة! إنما كانت القضية الحقيقية هي انحراف هذا
المجتمع عن حقيقة السلما، مما سميناه [التخلف
إلى تعليم المرأةا وتحريرها على المنهج ذاته الذي وضعه
المبشرون وهم يخططون لهدما السلما!
يقول في مذكراته: إنه التقى هناك بفتاةا فرنسية أصبحت
صديقة حميمة له! وإنه نشأ بينه وبينها علقة عاطفية
عميقة، ولكنها بريئة،.. وإنها كانت تصحبه إلى بيوت
السر الفرنسية والنوادي والصالونات الفرنسية، فتفتح
في وجهه البيوت والنوادي والصالونات، ويكون فيها
موضع الترحيب...
وسواء كان هو الذي التقى بها أما كانت موضوعة في طريقه
عمدا ليلتقي بها، فقد لعبت هذه الفتاةا بعقله كما لعبت بقلبه،
وغيرت مجرى حياته، وجعلته صالحا للعب الدور المطلوب
الذي قررت مؤتمرات التبشير أنه لبد منه لهدما السلم
ونحن نميل إلى تصديقه في قوله إن العلقة بينه وبينها
كانت [بريئة].. ل بالمعنى السلمي للبراءةا بطبيعة
الحال، ولكن بمعنى عدما وصول هذه العلقة إلى درجة
الفاحشة. فإنها- على هذه الصورةا- تكون أقدر على
تغيير أفكاره من العلقة المبتذلة التي تؤدي إلى
الفاحشة؛ لن الفتاةا ستكون حينئذ ساقطة في حسه غير
[إلهاما]!
ً
جديرةا بالحتراما، وغير جديرةا بأن تكون مصدرا
وسواء كانت الفتاةا قد [مثلت] الدور بإتقان، لتظل
العلقة بينه وبينها [روحية] و[فكرية] لتستطيع التأثإير
عليه، أما كانت تربيته المحافظة في السرةا المنحدرةا من
أصل تركي هي التي وقفت بهذه العلقة عند هذا الحد
الذي يصفها بالبراءةا.. فالنتيجة النهائية كانت انقلبا كامل
في كل كيانه.
ولنحاول أن نتصور كيف حدث التغيير؟
هذا شاب عبقري، نعم، ولكنه قادما من بلد محتلة، تحتلها
إحدى الدول الوروبية.. وهو قادما إلى أوروبا.. تلك التي
يتحدث قومه عنها بانبهار المأخآوذ، وتمثل في حسهم
العملق الضخم الذي يتضاءل الشرق أمامه وينزوي.
فنستطيع عندئذ أن نتوقع أنه قادما إلى أوروبا وهو منخنس
داخآل نفسه، يحس بالضآلة والقزامة، ويتوجس أن يزدرى
في بلد العمالقة؛ لنه قزما قادما من بلد القزاما، وأقصى ما
يتمناه قلبه أن يجد الطمأنينة النفسية والعقلية في تلك
البلد الغربية التي ل يكاد يستوعبها الخيال!
وبينما هو كذلك- منكمش متوجس- إذا هذه الفتاةا تبرز له
في الطريق فتؤنس وحشته بادئ ذي بدء، فيزول عنه
انكماشه وتوجسه، ويذهب عنه توتر أعصابه، ويشعر
بالطمأنينة في المهجر.
ثإم إن هذه الفتاةا تبادله عواطفه- كما قص في مذكراته-
فيشعر فوق الطمأنينة بالسعادةا والغبطة، ويزداد
استقرار نفسه فل يعود يشعر بالغربة النفسية الداخآلية،
إن بقيت الغربة بالنسبة للمجتمع الخارجي الذي لم
يحتك به بعد.
غير أن الفتاةا تنتقل معه- فتنقله- خآطوةا أخآرى. فهي
تصحبه إلى السر الفرنسية، فتفتح له تلك السر أبوابها
وترحب به، وتصحبه إلى النوادي والصالونات فترحب به
كذلك. وهنا تزول الغربة نهائيا، سواء بالنسبة لمشاعره
الخاصة أو بالنسبة للمجتمع الخارجي، وينطلق في المجتمع
الجديد واثإقا من نفسه، واثإقا من خآطواته.
كيف تصير المور الن في نفسه؟!
كيف ينظر إلى العلقة بينه وبين هذه الفتاةا؟
وكيف ينظر إلى التقاليد التي تم عن طريقها كل ما تم
في نفسه من تغيير؟! علقة [بريئة].. أي لم تصل إلى
الفاحشة.. نمت من خآللها نفسه نموا هائل، فخرجت من
انكماشها وعزلتها، واكتسبت إيجابية وفاعلية، مع نمو في
الثقافة، وسعة في الفق، ونشاط وحيوية.
ما عيب هذه التقاليد إذن؟ وما المانع أن تكون تقاليدنا نحن
على هذا النحو البريء،؟!
هناك بل شك- مهما أحسنا الظن- مجموعة من المغالطات
في هذا المنطق،:
المغالطة الوألى: هي دعواه ! ببراءةا، هذه العلقة على
اعتبار خآلوها من الفاحشة المبينة. فحتى لو صدقناه- ونحن
أميل إلى تصديقه كما قلنا- فهي ليست بريئة في الميزان
السلمي الذي يقيس به المسلم أمور حياته كلها. فهي
تشتمل على خآلوةا محرمة في ذاتها سواء أدت إلى الفاحشة
أما لم تؤد إليها. وهي محرمة في دين الله لحكمة واضحة لنها
تؤدي في النهاية- حتما- إلى الفاحشة، إن لم يكن في أول
مرةا- ول حتى في أول جيل- فإنه ما من مرةا أباحت البشرية
لنفسها هذه الخلوةا إل وصلت إلى الفاحشة في نهاية
المطاف. لم تشذ عن ذلك أمة في التاريخ!
وأالمغالطة الثانية: هي تجاهله ما هو واقع بالفعل في
المجتمع الفرنسي من آثإار مثل هذه العلقة، وقد علم يقينا بل
شك أن ذلك المجتمع يعج بألوان من العلقات الخآرى [غير
البريئة] ويسمح بها بل رادع. فلم يكن ذلك سرا مخفيا عن
أحد ممن يعيش في ذلك المجتمع، سواء من أهله أو من
الوافدين عليه. فحتى لو صدقناه في أن علقته هو الخاصة لم
تصل إلى ما يصل إليه مثلها في ذلك المجتمع- لظروف خآاصة
مانعة في نفسه أو في نفسها- فليس ذلك حجة لباحة تلك
العلقات، أو الدعوةا إلى مثلها، وهو يرى بنفسه نتائجها
الواقعية حين يبيحها المجتمع.
وأالمغالطة الثالثة: هي زعمه في كتابه الول ((تحرير
المرأةا)) أن هذا التحرير لن ينتج عنه إل الخير، ولن تنشأ عنه
العلقات الدنسة التي رآها بعينه في المجتمع الفرنسي..إنما
سينشأ عنه تقوية أواصر المجتمع وربطها برباط متين!.
وأيا كان المر فقد عاد قاسم أمين من فرنسا داعيا لتحرير
المرأةا. داعيا إلى السفور ونزع الحجاب!
نفس الدعوةا التي دعا بها رفاعة الطهطاوي من قبل عند
عودته من فرنسا.مع فارق رئيسي،ل في الدعوةا ذاتها
ولكن في المدعوين! فإن أكثر من نصف قرن من الغزو
الفكري المستمر كانت قد فعلت فعلها في نفوس
الناس، فلم تقابل دعوةا قاسم أمين بالستنكار البات
الذي قوبلت به دعوةا رفاعة الطهطاوي، ولم توءد في
مهدها، كما وئدت الدعوةا الخآرى من قبل!
ومع ذلك فلم يكن المر سهل. فقد أثإار كتاب ((تحرير
المرأةا)) معارضة عنيفة جعلت قاسم أمين ينزوي في
بيته خآوفا أو يأسا، ويعزما على نفض يده من الموضوع
كله. ولكن سعد زغلول شجعه، وقال له: امض في
طريقك وسوف أحميك!
عندئذ قرر أن يعود، وأن يسفر عن وجهه تماما! فلئن
كان في الكتاب الول قد تمحك في السلما، وقال إنه
يريد للمرأةا المسلمة ما أعطاها السلما من حقوق، وفي
مقدمتها التعليم، فقد أسقط السلما في كتابه الثاني
((المرأةا الجديدةا)) ولم يعد يذكره. إنما صار يعلن أن
المرأةا المصرية ينبغي أن تصنع كما صنعت أخآتها
الفرنسية، لكي تتقدما وتتحرر، ويتقدما المجتمع كله
ويتحرر! وهكذا سقط الحاجز المميز للمرأةا المسلمة،
وصارت هي والمشركة أخآتين بل افتراق!
بل وصل المر إلى الدعوةا إلى السير في الطريق ذاته
الذي سارت فيه الغربية من قبل، ولو أدى ذلك إلى
المرور في جميع الدوار التي قطعتها وتقطعها النساء
الغربيات. وقد كان من بين تلك الدوار ما يعلمه قاسم
أمين- ول شك- من التبذل وانحلل الخآلق!
قال:
..)) ول نرى مانعا من السير في تلك الطريق التي سبقتنا
إليها المم الغربية، لننا نشاهد أن الغربيين يظهر تقدمهم
في المدنية يوما فيوما".
..)) وبالجملة فإننا ل نهاب أن نقول بوجوب منح نسائيا
حقوقهن في حرية الفكر والعمل بعد تقوية عقولهن
بالتربية، حتى لو كان من المحقق أن يمررن في جميع
الدوار التي قطعتها وتقطعها النساء الغربيات )).
وكان آخآر ما قاله في ليلة وفاته مخاطبا- بالفرنسية-
مجموعة من الطلبة والطالبات الذين جاءوا من رومانيا
في زيارةا لمصر: ((.. أحيي هذه البعثة العلمية
وأشكرها على زيارةا نادي المدارس العالية. أحيي منها
بصفة خآاصة هاته الفتيات اللواتي تجشمن مصاعب
السفر متنقلت من الغرب إلى الشرق حبا في الستزادةا
من العلوما والمعارف. أحييهن وقلبي ملؤه السرور حيث
أرى نصيبهن من العناية بتربيتهن ل يقل عن نصيب
رفقائهن. أحييهن ولي شوق عظيم أن أشاهد ذلك اليوما
الذي أرى فيه حظ فتياتنا المسلمات المصريات كحظ
------
تابع الموضوع في الاسفل
[بطل] هذه القصة هو: قاسم أمين..
شاب نشأ في أسرةا تركية مصرية- أي محافظة- فيه ذكاء
غير عادي. حصل على ليسانس الحقوق الفرنسية من
القاهرةا وهو في سن العشرين. بينما كان هناك في عصره
من يحصل على الشهادةا البتدائية في سن الخامسة
والعشرين!
ومن هناك التقطه الذين يبحثون عن الكفاءات النادرةا
والعبقريات الفذةا ليفسدوها، ويفسدوا المة من ورائها!
التقطوه وابتعثوه إلى فرنسا.. لمر يراد.
اطلع قبل ذهابه إلى فرنسا على رسالة لمستشرق يتهم
السلما باحتقار المرأةا وعدما العتراف بكيانها النساني.
وغلى الدما في عروقه- كما يصف في مذكراته- وقرر أن يرد
على هذا المستشرق ويفند افتراءاته على ا لسلما.
ولكنه عاد بوجه غير الذي ذهب به! لقد أثإرت رحلته إلى
فرنسا في هذه السن المبكرةا تأثإيرا بالغا في كيانه كله، فعاد
إلى مصر بفكر جديد، وعقل جديد، ووجهة جديدةا..عاد يدعو
هاته الفتيات السائحات من التربية والتعليم. ذلك اليوما
الذي ترى فيه المسلمات جالسات جنبا إلى جنب مع
الشبيبة المصرية في اجتماع أدبي كاجتماع اليوما.
فيشاركننا في لذةا الدبيات والعلوما التي هن منها
محرومات. فعسى أن تحقق المال حتى يرتقين فيرتقي
بهن الشعب المصري )).
والن وقد صار للمرأةا [قضية] فلبد للقضية من تحريك.
وتبني القضية فريق من النسوةا على رأسهن هدى
شعراوي، وفريق من الرجال المدافعين، عن حقوق
المرأةا. وأصبح الحق الول الذي تطالب به النسوةا هو
السفور! وصارت القضية التي يدور حولها الجدل هي
السفور والحجاب!!
من أين جاءت القضية؟!
حين قامت الحركة النسوية في أوروبا كان للمرأةا بالفعل
قضية! قضية المساواةا في الجر مع الرجل الذي يعمل
معها في المصنع نفسه وساعات العمل نفسها، بينما
تتقاضى هي نصف ما يتقاضاه الرجل من الجر .
وحين اتسعت القضية هناك وتعددت مجالتها- تلقائيا أو
بتخطيط الشياطين- فقد كان محورها الول هو قضية
المساواةا مع الرجل في الجر، ترجع إليه كلما طالبت أو
طولب لها بحق جديد. حتى أصبحت القضية هناك في
النهاية هي قضية المساواةا التامة مع الرجل في كل
شيء، ومن بين كل شيء [حق الفساد] الذي كان الرجل
قد وصل- أو وصل- إليه، فصار حق الفساد داخآل بدوره
في قضية المرأةا، تحت عنوان [حق المرأةا في اخآتيار
شريك حياتها] في مبدأ المر، ثإم تحت عنوان [حق
المرأةا في أن تهب نفسها لمن تشاء]!!
أما في مصر- أو العالم السلمي- فلم تكن للمرأةا قضية
خآاصة! إنما كانت القضية الحقيقية هي انحراف هذا
المجتمع عن حقيقة السلما، مما سميناه [التخلف
إلى تعليم المرأةا وتحريرها على المنهج ذاته الذي وضعه
المبشرون وهم يخططون لهدما السلما!
يقول في مذكراته: إنه التقى هناك بفتاةا فرنسية أصبحت
صديقة حميمة له! وإنه نشأ بينه وبينها علقة عاطفية
عميقة، ولكنها بريئة،.. وإنها كانت تصحبه إلى بيوت
السر الفرنسية والنوادي والصالونات الفرنسية، فتفتح
في وجهه البيوت والنوادي والصالونات، ويكون فيها
موضع الترحيب...
وسواء كان هو الذي التقى بها أما كانت موضوعة في طريقه
عمدا ليلتقي بها، فقد لعبت هذه الفتاةا بعقله كما لعبت بقلبه،
وغيرت مجرى حياته، وجعلته صالحا للعب الدور المطلوب
الذي قررت مؤتمرات التبشير أنه لبد منه لهدما السلم
ونحن نميل إلى تصديقه في قوله إن العلقة بينه وبينها
كانت [بريئة].. ل بالمعنى السلمي للبراءةا بطبيعة
الحال، ولكن بمعنى عدما وصول هذه العلقة إلى درجة
الفاحشة. فإنها- على هذه الصورةا- تكون أقدر على
تغيير أفكاره من العلقة المبتذلة التي تؤدي إلى
الفاحشة؛ لن الفتاةا ستكون حينئذ ساقطة في حسه غير
[إلهاما]!
ً
جديرةا بالحتراما، وغير جديرةا بأن تكون مصدرا
وسواء كانت الفتاةا قد [مثلت] الدور بإتقان، لتظل
العلقة بينه وبينها [روحية] و[فكرية] لتستطيع التأثإير
عليه، أما كانت تربيته المحافظة في السرةا المنحدرةا من
أصل تركي هي التي وقفت بهذه العلقة عند هذا الحد
الذي يصفها بالبراءةا.. فالنتيجة النهائية كانت انقلبا كامل
في كل كيانه.
ولنحاول أن نتصور كيف حدث التغيير؟
هذا شاب عبقري، نعم، ولكنه قادما من بلد محتلة، تحتلها
إحدى الدول الوروبية.. وهو قادما إلى أوروبا.. تلك التي
يتحدث قومه عنها بانبهار المأخآوذ، وتمثل في حسهم
العملق الضخم الذي يتضاءل الشرق أمامه وينزوي.
فنستطيع عندئذ أن نتوقع أنه قادما إلى أوروبا وهو منخنس
داخآل نفسه، يحس بالضآلة والقزامة، ويتوجس أن يزدرى
في بلد العمالقة؛ لنه قزما قادما من بلد القزاما، وأقصى ما
يتمناه قلبه أن يجد الطمأنينة النفسية والعقلية في تلك
البلد الغربية التي ل يكاد يستوعبها الخيال!
وبينما هو كذلك- منكمش متوجس- إذا هذه الفتاةا تبرز له
في الطريق فتؤنس وحشته بادئ ذي بدء، فيزول عنه
انكماشه وتوجسه، ويذهب عنه توتر أعصابه، ويشعر
بالطمأنينة في المهجر.
ثإم إن هذه الفتاةا تبادله عواطفه- كما قص في مذكراته-
فيشعر فوق الطمأنينة بالسعادةا والغبطة، ويزداد
استقرار نفسه فل يعود يشعر بالغربة النفسية الداخآلية،
إن بقيت الغربة بالنسبة للمجتمع الخارجي الذي لم
يحتك به بعد.
غير أن الفتاةا تنتقل معه- فتنقله- خآطوةا أخآرى. فهي
تصحبه إلى السر الفرنسية، فتفتح له تلك السر أبوابها
وترحب به، وتصحبه إلى النوادي والصالونات فترحب به
كذلك. وهنا تزول الغربة نهائيا، سواء بالنسبة لمشاعره
الخاصة أو بالنسبة للمجتمع الخارجي، وينطلق في المجتمع
الجديد واثإقا من نفسه، واثإقا من خآطواته.
كيف تصير المور الن في نفسه؟!
كيف ينظر إلى العلقة بينه وبين هذه الفتاةا؟
وكيف ينظر إلى التقاليد التي تم عن طريقها كل ما تم
في نفسه من تغيير؟! علقة [بريئة].. أي لم تصل إلى
الفاحشة.. نمت من خآللها نفسه نموا هائل، فخرجت من
انكماشها وعزلتها، واكتسبت إيجابية وفاعلية، مع نمو في
الثقافة، وسعة في الفق، ونشاط وحيوية.
ما عيب هذه التقاليد إذن؟ وما المانع أن تكون تقاليدنا نحن
على هذا النحو البريء،؟!
هناك بل شك- مهما أحسنا الظن- مجموعة من المغالطات
في هذا المنطق،:
المغالطة الوألى: هي دعواه ! ببراءةا، هذه العلقة على
اعتبار خآلوها من الفاحشة المبينة. فحتى لو صدقناه- ونحن
أميل إلى تصديقه كما قلنا- فهي ليست بريئة في الميزان
السلمي الذي يقيس به المسلم أمور حياته كلها. فهي
تشتمل على خآلوةا محرمة في ذاتها سواء أدت إلى الفاحشة
أما لم تؤد إليها. وهي محرمة في دين الله لحكمة واضحة لنها
تؤدي في النهاية- حتما- إلى الفاحشة، إن لم يكن في أول
مرةا- ول حتى في أول جيل- فإنه ما من مرةا أباحت البشرية
لنفسها هذه الخلوةا إل وصلت إلى الفاحشة في نهاية
المطاف. لم تشذ عن ذلك أمة في التاريخ!
وأالمغالطة الثانية: هي تجاهله ما هو واقع بالفعل في
المجتمع الفرنسي من آثإار مثل هذه العلقة، وقد علم يقينا بل
شك أن ذلك المجتمع يعج بألوان من العلقات الخآرى [غير
البريئة] ويسمح بها بل رادع. فلم يكن ذلك سرا مخفيا عن
أحد ممن يعيش في ذلك المجتمع، سواء من أهله أو من
الوافدين عليه. فحتى لو صدقناه في أن علقته هو الخاصة لم
تصل إلى ما يصل إليه مثلها في ذلك المجتمع- لظروف خآاصة
مانعة في نفسه أو في نفسها- فليس ذلك حجة لباحة تلك
العلقات، أو الدعوةا إلى مثلها، وهو يرى بنفسه نتائجها
الواقعية حين يبيحها المجتمع.
وأالمغالطة الثالثة: هي زعمه في كتابه الول ((تحرير
المرأةا)) أن هذا التحرير لن ينتج عنه إل الخير، ولن تنشأ عنه
العلقات الدنسة التي رآها بعينه في المجتمع الفرنسي..إنما
سينشأ عنه تقوية أواصر المجتمع وربطها برباط متين!.
وأيا كان المر فقد عاد قاسم أمين من فرنسا داعيا لتحرير
المرأةا. داعيا إلى السفور ونزع الحجاب!
نفس الدعوةا التي دعا بها رفاعة الطهطاوي من قبل عند
عودته من فرنسا.مع فارق رئيسي،ل في الدعوةا ذاتها
ولكن في المدعوين! فإن أكثر من نصف قرن من الغزو
الفكري المستمر كانت قد فعلت فعلها في نفوس
الناس، فلم تقابل دعوةا قاسم أمين بالستنكار البات
الذي قوبلت به دعوةا رفاعة الطهطاوي، ولم توءد في
مهدها، كما وئدت الدعوةا الخآرى من قبل!
ومع ذلك فلم يكن المر سهل. فقد أثإار كتاب ((تحرير
المرأةا)) معارضة عنيفة جعلت قاسم أمين ينزوي في
بيته خآوفا أو يأسا، ويعزما على نفض يده من الموضوع
كله. ولكن سعد زغلول شجعه، وقال له: امض في
طريقك وسوف أحميك!
عندئذ قرر أن يعود، وأن يسفر عن وجهه تماما! فلئن
كان في الكتاب الول قد تمحك في السلما، وقال إنه
يريد للمرأةا المسلمة ما أعطاها السلما من حقوق، وفي
مقدمتها التعليم، فقد أسقط السلما في كتابه الثاني
((المرأةا الجديدةا)) ولم يعد يذكره. إنما صار يعلن أن
المرأةا المصرية ينبغي أن تصنع كما صنعت أخآتها
الفرنسية، لكي تتقدما وتتحرر، ويتقدما المجتمع كله
ويتحرر! وهكذا سقط الحاجز المميز للمرأةا المسلمة،
وصارت هي والمشركة أخآتين بل افتراق!
بل وصل المر إلى الدعوةا إلى السير في الطريق ذاته
الذي سارت فيه الغربية من قبل، ولو أدى ذلك إلى
المرور في جميع الدوار التي قطعتها وتقطعها النساء
الغربيات. وقد كان من بين تلك الدوار ما يعلمه قاسم
أمين- ول شك- من التبذل وانحلل الخآلق!
قال:
..)) ول نرى مانعا من السير في تلك الطريق التي سبقتنا
إليها المم الغربية، لننا نشاهد أن الغربيين يظهر تقدمهم
في المدنية يوما فيوما".
..)) وبالجملة فإننا ل نهاب أن نقول بوجوب منح نسائيا
حقوقهن في حرية الفكر والعمل بعد تقوية عقولهن
بالتربية، حتى لو كان من المحقق أن يمررن في جميع
الدوار التي قطعتها وتقطعها النساء الغربيات )).
وكان آخآر ما قاله في ليلة وفاته مخاطبا- بالفرنسية-
مجموعة من الطلبة والطالبات الذين جاءوا من رومانيا
في زيارةا لمصر: ((.. أحيي هذه البعثة العلمية
وأشكرها على زيارةا نادي المدارس العالية. أحيي منها
بصفة خآاصة هاته الفتيات اللواتي تجشمن مصاعب
السفر متنقلت من الغرب إلى الشرق حبا في الستزادةا
من العلوما والمعارف. أحييهن وقلبي ملؤه السرور حيث
أرى نصيبهن من العناية بتربيتهن ل يقل عن نصيب
رفقائهن. أحييهن ولي شوق عظيم أن أشاهد ذلك اليوما
الذي أرى فيه حظ فتياتنا المسلمات المصريات كحظ
------
تابع الموضوع في الاسفل