سؤال:- هل يجوز لي ان اقسم اموالي وممتلكاتي على اولادي وانا على قيد الحياة ؟؟
الجواب:-
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين الذي ما فرط في الكتاب من شيء، والصلاة والسلام على النبي الامين المؤتمن على بيان الوحي والهدي، وما كان ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى، وبعد:-
ان الميراث الذي به تنتقل الملكية من المورث الى الورثة سببه موت المورث..والميراث حق الهي للورثة لا ينبغي مخالفته او كراهيته او عدم الرضى به،
ولا يجوز التهرب منه والتبرم عنه قال الله تعالى :- {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} (النساء:65)، فهذه الآية تسلب وصف الإيمان عن كل من لم يحتكم في أمره كله إلى شرع الله ورسوله، والاحتكام إلى الله ورسوله هو المحك الرئيس بين الإيمان والكفر، وهو فيصل التفرقة بين المؤمن وغير المؤمن، فمن صدر في سلوكه عن حكم الله ورسوله فقد هُدي إلى صراط مستقيم، ومن أعرض عن حكمهما، ونأى بنفسه عن شرعهما فقد ضل سواء السبيل.
وقد فصل الله تعالى احكام التركة والميراث وبين الرسول صلى الله عليه وسلم تلك الاحكام وجلاها في احسن بيان وتفصيل. والتزم المسلمون بذلك ايمانا واحتسابا ورضى وقبولا بحكم الله الذي هو مالك الملك ومن ملك في ملكه وهو صاحب الصلاحية في توزيع الارزاق و تشريع ادارة وتوزيع الاملاك والثروات التي ما الانسان فيها لا مستخلف بامر الله... فلذلك نقول لمن تسول لهم انفسهم فعل ما ورد في السؤال هروبا من احكام الميراث والاستحقاقات الشرعية للورثة..قال الله تعالى : ( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا(7) النساء
ثمّ قال عزّ وجلّ : ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ءَابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا(11) النساء
ثمّ هدّد الله تعالى الذين يخالفون قسمته في الميراث ويتلاعبون في ذلك بقوله سبحانه : ( وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ(14) النساء...فلنتقي الله اولا ولتنظر نفس ما قدمت لغد.
ونقول لمن يخشى على ذريته او بعضهم من بعده ما نبه الله تعالى اليه في قوله سبحانه :- ( “وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً”9النساء) فإذا اتقى الإنسان ربه وتمكنت الرحمة في قلبه على غيره في حياته فلم يظلم أحدا، وعامل الناس بما يحب أن يعاملوا به، ويعاملوا أولاده من بعده، فإن الله يهيئ لأولاده الصغار من يتولى أمرهم بالتقوى والرحمة والحنان، فإن الجزاء من جنس العمل، وكما يدين المرء يدان. ولهذا فإن عمر بن عبدالعزيز قيل له وهو على فراش الموت: أوص لأولادك من بعدك، واترك لهم ما يغنيهم، فقال: إن ولدي واحد من اثنين: إن كان صالحاً فإن الله يتولى الصالحين، وإن كان غير ذلك فلا ينفعه ما أتركه له.
وقد كره اهل العلم تقسيم التركة اثناء حياة المورث وقبل وفاته ذلك ان المشروع أن التركة لا توزع إلا بعد الوفاة وقد يحصل بذلك حرمان بعض اصحاب الانصبة كالوالدين والجدين والزوجة او بعض البنات، وان الآجال بيد الله عز وجل، ولا أحد يضمن أن يعيش إنسان بعينه بعد إنسان آخر، أو أن يموت قبله، يقول تعالى:- “وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت”-34لقمان-، وكما قيل في المثل :- كم من خروف سبق امه الى المجزرة!! ولذلك فإن توزيع الميراث من المورث على الورثة قبل موت الإنسان موقف شائن دينا، ويتنافى مع الإيمان بالله والتوكل عليه والثقة به، كما أن كتابة الملكية لبعض الورثة دون بعض اعتداء على حكم الله ورفض لقضائه العادل الحكيم، وقد قال الله تعالى: “ومن يعصِ الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين”- النساء 14-، ثم إن من يحرص على توريث أولاده المال لا يملك أن يمنحهم السعادة والغنى، فكم من إنسان ورث أموالا وعاش فقيرا، وكم من إنسان لم يرث شيئا أتته الدنيا راغمة، فالمؤمن العاقل يأخذ بالأسباب المشروعة ويدع العواقب لله عز وجل.والله تعالى هو الوارث وهو الذي يعطي الميراث لمن يشاء كيفما يشاء.
واما ان يعطي اولاده عطاءاََ على وجه الهبة والصدقة، فهذا ليس تقسيم ميراث بل هو من التصرف فيما ملكه الله اياه واستخلفه فيه، والهبة والعطية للاولاد فجائزة، شرط ان يساوي ويعدل في العطاء بين الجميع ذكورا واناثا، وهذا ما ارشدت اليه سنة المصطفى صلى الله عليه واله وسلم الذي لا ينطق عن الهوى فقد روى البخاري ومسلم عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ ، فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ : لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَانْطَلَقَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : (اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ) فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ .. ولمسلم : (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا بَشِيرُ ، أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَقَالَ : أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : (فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا ، فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ) .
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني : " يجب على الإنسان التسوية بين أولاده في العطية , إذا لم يختص أحدهم بمعنى يبيح التفضيل , فإن خص بعضهم بعطيته , أو فاضل بينهم فيها أثم , ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين ; إما رد ما فَضَّل به البعض , وإما إتمام نصيب الآخر . قال طاوس : لا يجوز ذلك , ولا رغيف محترق . وبه قال ابن المبارك وروي معناه عن مجاهد , وعروة " انتهى من "المغني" .
وعليه ؛ فيلزم الأب أن يسوي بين الإناث ، المتزوجة وغير المتزوجة والاولاد في عطيته وهبته، وان يبر اباه وامه وجده وجدته، ويصل ازواجه ورحمه، وادام الله تعالى عليكم الصحة والعفو والعافية ورزقنا واياكم بر ابائنا والعدل بين ابنائنا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.