بسم الله الرحمن الرحيم
... قراءة في مفهوم الطاعة في شرع الله تعالى ....
الطاعة في شريعتنا امر هام في حياة المسلم ، حيث تستقيم بها حياته الدنيا، وكذلك يصلح بها مصيره في الاخرة ، حيث لا ينبغي للمؤمن الا ان يربط امور دنياه بأخراه التي اليها مصيره ومرجعه ..
والطاعة من حيث مدلولها الشامل هي الاستجابة للأمر والامتثال للنهي،
والطاعة المطلقة لاتنبغي في حياة المؤمن الا لله تعالى فقط ،و هي العبودية الواجبة والمستحقة لله تعالى المبدع الخالق على خلقه وعباده، ولمن طاعته واجبة من قبل الله طاعة لله تعالى، كالرسول واولي الامر من المسلمين ...
والطاعة هي الرضى والاستجابة للاوامر النواهي وتنفيذها، وخير الطاعة ما كانت الاستجابة فيها عن رضىً وقبول وان خالفت هوى النفس ومشتهاها، فتحقق غاية العبودية ان كانت لله تعالى واستجابة لامره او نهيه، وتحقق غاية ومنتهى الاستعباد ان كانت لغير الله عز وجل وفي غضبه ومعصيته..وهي ضد المعصية والرفض والاعراض ...
وقد نهى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ان يطع زعيم الكفار برسالته ونبوته في مكة المكرمة بداية بعثته عليه السلام في اول سور القران نزولا سورة العلق :- ( كلا لا تطعه واسجد واقترب )
قال القرطبي تفسير سورة العلق - الآية 19. قوله تعالى : كلا لا تطعه واسجد واقترب كلا أي ليس الأمر على ما يظنه أبو جهل . لا تطعه أي فيما دعاك إليه من ترك الصلاة . واسجد أي صل لله واقترب أي تقرب إلى الله - جل ثناؤه - بالطاعة والعبادة .
والاصل في وجوبها قوله تعالى:-
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59 النساء) وبذلك حدد الله سبحانه الجهات واجبة الطاعة والاتباع، و بين سبحانه مرجعية الطاعة ومصدر الاوامر او النواهي -التشريع-، فأمر المؤمنين وطلب منهم طاعته سبحانه باتباع وتنفيذ ما امرهم في كتابه ، وامرهم بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بصفته مبعوثا بالوحي الناطق به وليس عن هواه او هوى غيره،انما هو وحي الله اليه ، فطاعته فيما امر او نهى انما هي من طاعة من ابتعثه للخلق سبحانه وتعالى ،وامرنا سبحانه بطاعة- اولي الامر - وقيد اولي الامر ان يكونوا منا،فقال: -وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ - ولا يكونون منا الا اذا كانوا طائعين ومستجيبين لله مؤمنين بكتابه وطائعين متبعين لرسوله بالاقتداء بسنته، وآمرين بالكتاب والسنة وما انبثق منهما ، وهذه قيود وشروط لزوم ووجوب طاعتهم ، فتكون طاعتهم بذلك من طاعة الله ، و منسجمة ومتفقة مع قاعدة عقيدة الاسلام القائمة على : شهادة ان لا اله الا الله ، وشهادة ان محمدا رسول الله،فلا معبود بحق الا الله ولا عبادةً حقة الا على منهج رسول الله المبلغ عن ربه والمبين لشرع ربه ...فلذلك قال سبحانه معقبا على امره بطاعة اولي الامر منا :- فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا -
اي ان تنازعتم مع اولياء امركم وامرائكم على شيء واختلفتم معهم فيه فالحكم بينكم وبينهم شريع الله التي بينها لكم في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولعل سبب نزول الاية الكريمة يوضح لنا تفسيرها وفهمها الصحيح وفي سياق ما نزلت فيه ، فقد روى الإمام أحمد بن حنبل قال : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن سعيد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية ، واستعمل عليهم رجلا من الأنصار ، فلما خرجوا وجد عليهم في شيء . قال : فقال لهم : أليس قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني ؟ قالوا : بلى ، قال : اجمعوا لي حطبا . ثم دعا بنار فأضرمها فيه ، ثم قال : عزمت عليكم لتدخلنها . [ قال : فهم القوم أن يدخلوها ] قال : فقال لهم شاب منهم : إنما فررتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار ، فلا تعجلوا حتى تلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها . قال : فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه ، فقال لهم : " لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا ; إنما الطاعة في المعروف " . أخرجه كل من البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث الأعمش ...وحددت رواية للبخاري اسم الصحابي الانصاري قائد السرية تلك فقال -البخاري- : حدثنا صدقة بن الفضل ، حدثنا حجاج بن محمد الأعور ، عن ابن جريج ، عن يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) قال : نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي ; إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ).
وعليه فان طاعة البشر لا تكون ولا تجوز الا اذا كانت طاعة لله تعالى بما شرع من استجابةلامر او نهي...والا كانت معصية .. قال السعدي في تفسيره : (أمر الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله وذلك بامتثال أمرهما، الواجب والمستحب، واجتناب نهيهما. وأمر بطاعة أولي الأمر وهم: الولاة على الناس، من الأمراء والحكام والمفتين، فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم، طاعة لله ورغبة فيما عنده، ولكن بشرط ألا يأمروا بمعصية الله، فإن أمروا بذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ولعل هذا هو السر في حذف الفعل عند الأمر بطاعتهم وذكره مع طاعة الرسول، فإن الرسول لا يأمر إلا بطاعة الله، ومن يطعه فقد أطاع الله، وأما أولو الأمر فشرط الأمر بطاعتهم أن لا يكون معصية.) .
فلذلك حصر الله تعالى طاعته فقط في مصدري التشريع الاساسين فقال :- وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46 الانفال) حيث ان النزاع والشقاق يكون باتباع غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المبين لشريعة ربه والمبلغ عنه سبحانه .
وقد اوضح الله عز وجل امر الولاية في قوله تعالى من سورة المائدة بما لا يدع مجالا للبس في ان ولاية المسلم لا تكون الا لله ولرسوله ولمسلم مثله حيث ان الولاية من موجبات ودواعي الطاعة والاتباع ونتيجة حتمية لها ،فقال سبحانه:- ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56المائدة) ... و لان الولاء موجب ومستلزم للطاعة والاتباع ،فقد نهى سبحانه عن تولي غير المؤمنين من اهل الكتاب من قبلنا و عموم الكفار فقال بعد ذلك :-
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (57)المائدة.
ومن اهل الطاعة الواجبة التي قرنها الله تعالى بطاعته سبحانه: طاعة الوالدين، حيث قال في سورة الاسراء( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) الاسراء
وفي سورة لقمان :- ( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِن جَاهَدَاكَ
عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15) لقمان
فاذا كان هذا بحق من قرن طاعتهم بطاعته سبحانه حيث امر بعدم طاعتهما في المعصية، فمن باب اول غيرهما اولى بالنهي عن طاعته في المعصية .
وكذلك امر الله بعدم طاعة الكفار والعصاة ، فقد سبق واشرنا لقوله تعالى لنبيه - صلوات ربي وسلامه عليه- وهو يواجه زعيم الكفر وطاغوت مكة زمن اول البعثة -ابو جهل - لما تهددالنبي وتوعده لان راه يصلي ليطأن بقدمه عنقه :-(أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ (10) أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَىٰ (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَىٰ (12) أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ (13) أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ (14) كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ۩ (19)سورة العلق).
وبناءً على ما سبق فانه لا تحل ولا تجوز لمؤمن طاعة مخلوق في معصية الخالق عز وجل ولو كان ولي امر او مسؤلا او حتى الوالدين ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
اللهم ارزقنا طاعتك وحببها لأنفسنا، وجنبنا معصيتك وكرهنا في معاصيك، ووفق ابناء امتنا لطاعتك وحدك لا شريك لك واتباع امرك واجتناب نهيك، ونسألك اللهم ربنا وولينا ان تنصرنا على اعداء دينك وشرعك واعدائنا من اهل معصيتك، وأن تنصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان فانت ولينا ونعم النصير .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
... قراءة في مفهوم الطاعة في شرع الله تعالى ....
الطاعة في شريعتنا امر هام في حياة المسلم ، حيث تستقيم بها حياته الدنيا، وكذلك يصلح بها مصيره في الاخرة ، حيث لا ينبغي للمؤمن الا ان يربط امور دنياه بأخراه التي اليها مصيره ومرجعه ..
والطاعة من حيث مدلولها الشامل هي الاستجابة للأمر والامتثال للنهي،
والطاعة المطلقة لاتنبغي في حياة المؤمن الا لله تعالى فقط ،و هي العبودية الواجبة والمستحقة لله تعالى المبدع الخالق على خلقه وعباده، ولمن طاعته واجبة من قبل الله طاعة لله تعالى، كالرسول واولي الامر من المسلمين ...
والطاعة هي الرضى والاستجابة للاوامر النواهي وتنفيذها، وخير الطاعة ما كانت الاستجابة فيها عن رضىً وقبول وان خالفت هوى النفس ومشتهاها، فتحقق غاية العبودية ان كانت لله تعالى واستجابة لامره او نهيه، وتحقق غاية ومنتهى الاستعباد ان كانت لغير الله عز وجل وفي غضبه ومعصيته..وهي ضد المعصية والرفض والاعراض ...
وقد نهى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ان يطع زعيم الكفار برسالته ونبوته في مكة المكرمة بداية بعثته عليه السلام في اول سور القران نزولا سورة العلق :- ( كلا لا تطعه واسجد واقترب )
قال القرطبي تفسير سورة العلق - الآية 19. قوله تعالى : كلا لا تطعه واسجد واقترب كلا أي ليس الأمر على ما يظنه أبو جهل . لا تطعه أي فيما دعاك إليه من ترك الصلاة . واسجد أي صل لله واقترب أي تقرب إلى الله - جل ثناؤه - بالطاعة والعبادة .
والاصل في وجوبها قوله تعالى:-
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59 النساء) وبذلك حدد الله سبحانه الجهات واجبة الطاعة والاتباع، و بين سبحانه مرجعية الطاعة ومصدر الاوامر او النواهي -التشريع-، فأمر المؤمنين وطلب منهم طاعته سبحانه باتباع وتنفيذ ما امرهم في كتابه ، وامرهم بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بصفته مبعوثا بالوحي الناطق به وليس عن هواه او هوى غيره،انما هو وحي الله اليه ، فطاعته فيما امر او نهى انما هي من طاعة من ابتعثه للخلق سبحانه وتعالى ،وامرنا سبحانه بطاعة- اولي الامر - وقيد اولي الامر ان يكونوا منا،فقال: -وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ - ولا يكونون منا الا اذا كانوا طائعين ومستجيبين لله مؤمنين بكتابه وطائعين متبعين لرسوله بالاقتداء بسنته، وآمرين بالكتاب والسنة وما انبثق منهما ، وهذه قيود وشروط لزوم ووجوب طاعتهم ، فتكون طاعتهم بذلك من طاعة الله ، و منسجمة ومتفقة مع قاعدة عقيدة الاسلام القائمة على : شهادة ان لا اله الا الله ، وشهادة ان محمدا رسول الله،فلا معبود بحق الا الله ولا عبادةً حقة الا على منهج رسول الله المبلغ عن ربه والمبين لشرع ربه ...فلذلك قال سبحانه معقبا على امره بطاعة اولي الامر منا :- فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا -
اي ان تنازعتم مع اولياء امركم وامرائكم على شيء واختلفتم معهم فيه فالحكم بينكم وبينهم شريع الله التي بينها لكم في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولعل سبب نزول الاية الكريمة يوضح لنا تفسيرها وفهمها الصحيح وفي سياق ما نزلت فيه ، فقد روى الإمام أحمد بن حنبل قال : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن سعيد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية ، واستعمل عليهم رجلا من الأنصار ، فلما خرجوا وجد عليهم في شيء . قال : فقال لهم : أليس قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني ؟ قالوا : بلى ، قال : اجمعوا لي حطبا . ثم دعا بنار فأضرمها فيه ، ثم قال : عزمت عليكم لتدخلنها . [ قال : فهم القوم أن يدخلوها ] قال : فقال لهم شاب منهم : إنما فررتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار ، فلا تعجلوا حتى تلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها . قال : فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه ، فقال لهم : " لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا ; إنما الطاعة في المعروف " . أخرجه كل من البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث الأعمش ...وحددت رواية للبخاري اسم الصحابي الانصاري قائد السرية تلك فقال -البخاري- : حدثنا صدقة بن الفضل ، حدثنا حجاج بن محمد الأعور ، عن ابن جريج ، عن يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) قال : نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي ; إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ).
وعليه فان طاعة البشر لا تكون ولا تجوز الا اذا كانت طاعة لله تعالى بما شرع من استجابةلامر او نهي...والا كانت معصية .. قال السعدي في تفسيره : (أمر الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله وذلك بامتثال أمرهما، الواجب والمستحب، واجتناب نهيهما. وأمر بطاعة أولي الأمر وهم: الولاة على الناس، من الأمراء والحكام والمفتين، فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم، طاعة لله ورغبة فيما عنده، ولكن بشرط ألا يأمروا بمعصية الله، فإن أمروا بذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ولعل هذا هو السر في حذف الفعل عند الأمر بطاعتهم وذكره مع طاعة الرسول، فإن الرسول لا يأمر إلا بطاعة الله، ومن يطعه فقد أطاع الله، وأما أولو الأمر فشرط الأمر بطاعتهم أن لا يكون معصية.) .
فلذلك حصر الله تعالى طاعته فقط في مصدري التشريع الاساسين فقال :- وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46 الانفال) حيث ان النزاع والشقاق يكون باتباع غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المبين لشريعة ربه والمبلغ عنه سبحانه .
وقد اوضح الله عز وجل امر الولاية في قوله تعالى من سورة المائدة بما لا يدع مجالا للبس في ان ولاية المسلم لا تكون الا لله ولرسوله ولمسلم مثله حيث ان الولاية من موجبات ودواعي الطاعة والاتباع ونتيجة حتمية لها ،فقال سبحانه:- ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56المائدة) ... و لان الولاء موجب ومستلزم للطاعة والاتباع ،فقد نهى سبحانه عن تولي غير المؤمنين من اهل الكتاب من قبلنا و عموم الكفار فقال بعد ذلك :-
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (57)المائدة.
ومن اهل الطاعة الواجبة التي قرنها الله تعالى بطاعته سبحانه: طاعة الوالدين، حيث قال في سورة الاسراء( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) الاسراء
وفي سورة لقمان :- ( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِن جَاهَدَاكَ
عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15) لقمان
فاذا كان هذا بحق من قرن طاعتهم بطاعته سبحانه حيث امر بعدم طاعتهما في المعصية، فمن باب اول غيرهما اولى بالنهي عن طاعته في المعصية .
وكذلك امر الله بعدم طاعة الكفار والعصاة ، فقد سبق واشرنا لقوله تعالى لنبيه - صلوات ربي وسلامه عليه- وهو يواجه زعيم الكفر وطاغوت مكة زمن اول البعثة -ابو جهل - لما تهددالنبي وتوعده لان راه يصلي ليطأن بقدمه عنقه :-(أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ (10) أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَىٰ (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَىٰ (12) أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ (13) أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ (14) كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ۩ (19)سورة العلق).
وبناءً على ما سبق فانه لا تحل ولا تجوز لمؤمن طاعة مخلوق في معصية الخالق عز وجل ولو كان ولي امر او مسؤلا او حتى الوالدين ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
اللهم ارزقنا طاعتك وحببها لأنفسنا، وجنبنا معصيتك وكرهنا في معاصيك، ووفق ابناء امتنا لطاعتك وحدك لا شريك لك واتباع امرك واجتناب نهيك، ونسألك اللهم ربنا وولينا ان تنصرنا على اعداء دينك وشرعك واعدائنا من اهل معصيتك، وأن تنصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان فانت ولينا ونعم النصير .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.