20- الحلقة العشرون من سلسلة اثر العبادات على النفس والسلوك
الصلاة - 3 -
التوجه للقبلة
لقد تطهرت من الحدثين كما مر معنا فيما سبق وناداك المنادي للصلاة فالتزمت ووقفت بين يدي ربك متجها للقبلة التي جعلها الله وجهة لك ولاخوانك المؤمنين لتلتقي بوجهك مع وجوه اخوانك من اهل دينك وملتك في الارض ، والتوجه للقبلة اول شروط الصلاة ...
تعريف القبلة لغة واصطلاحا:-
المطالع لمعاجم اللغة يجد ان معنى القِبلة -بكسر القاف- لغةً هي الجهة أو الوجهة، ومنها أُخِذَ الاستقبال، ويكون الاستقبال بالتوجه بالوجه جهة المُستقبل ، وهي عكس (الدِبرة) ومن الدبرة التدابر وهو اعطاء القفا بدل الاستقبال، وقد أشار بعض اللغويين إلى المعنى الاصطلاحي في القبلة ذاكراً أنها ناحية الصلاة، أو وجهة المسجد ومحرابه باتجاه الكعبة والمسجد الحرام ، وعرفها بعض الفقهاء بأنها عبارة عما أمر الله تعالى بتولية الوجه إليها في الصلاة المفروضة والنافلة، ومصطلح أهل القبلة يُرَادُ به من يصلي الصلوات الخمس أي عموم المسلمين لأنهم يتجهون إلى القبلة في صلاتهم . فالواجب على المسلم أينما وحيثما كان : أن يستقبل القبلة وهي الكعبة المشرفة في صلاته، وذلك من أهم شرائطها؛ لقوله سبحانه:- (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)[البقرة:150].
فاستقبال القبلة كما اسلفنا شرط في صحة الصلاة سواء كانت فرضاً أو نفلا ، لأنه شرط فاستوى فيه الفرض والنفل كالطهارة في البدن والثوب والمكان ، ولأن قول الله تعالى: (وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَه)ُ [البقرة: 144]، عام فيهما جميعاً.إلا في حالتين وهما : -
- في صلاة الخوف أثناء قتال العدو .
- وفي صلاة النافلة على الركوبة في السفر الذي تقصر فيه الصلاة.
وقد أصبحت الكعبة الشريفة بفضل جعلها قبلةً للمسلمين، رمزاً لوحدة المسلمين من شتى بقاع الارض، وأحد معالم شخصية الأمة الإسلامية، حيث تتجه كلّها وبمختلف مذاهبها واتجاهاتها إلى نقطةٍ واحدةٍ ؛ تعبيراً عن وحدتها في الأساس والهدف والغاية .
ويجب على المسلم في الفلاة ان يجتهد في تحديد جهة القبلة ، وتُعتبر الكعبة قبلة لمن في المسجد الحرام ، والمسجد الحرام قبلة اهل مكة ، ومكة قبلة من حولها، والجهة قبلة اهل الآفاق في الارض ، والارض قبلة من يكونون في الفضاء ....
فيا من جمعتكم القبلة الواحدة والملة الواحدة لا تتفرقوا بعد ذلك في دينكم ، ولا تجتاكم الشياطين الجنية و الانسية عن وحدة دينكم ووحدة كتابكم وسنة نبيكم وقبلتكم ، (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) ۞ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)الروم) . قال ابن كثير رحمه الله : أي : لا تكونوا من المشركين الذين قد فرقوا دينهم أي : بدلوه وغيروه وآمنوا ببعض وكفروا ببعض .
وقال سبحانه :- (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159) الانعام) .
وحين تولي وجهك شطر المسجد الحرام تذكر قبلة المسلمين الاولى ، حيث كان النبي والصحابة يتوجهون في صلاتهم قبل المسجد الاقصى ، فقد جاء في الصحيحين: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس، ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يوجه إلى الكعبة، فأنزل الله: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144]". فأمر الله تعالى نبيه والمؤمنين باستقبال الكعبة؛ لما لله تعالى في ذلك من حكمة تربوية أشار الله تعالى إليها في قوله: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 143] .
قال سيد قطب رحمه الله في الظلال :-
"فقد كان العرب يعظمون البيت الحرام في جاهليتهم، ويعدونه عنوان مجدهم القومي.. ولمَّا كان الإسلام يريد استخلاص القلوب لله، وتجريدها من التعلق بغيره، وتخليصها من كل نعرة وكل عصبية لغير المنهج الإسلامي المرتبط بالله مباشرة، المجرد من كل ملابسة تاريخية أو عنصرية أو أرضية على العموم.. فقد نزعهم نزعاً من الاتجاه إلى البيت الحرام، واختار لهم الاتجاه - فترة- إلى المسجد الأقصى، ليخلص نفوسهم من رواسب الجاهلية، ومن كل ما كانت تتعلق به في الجاهلية، وليظهر من يتبع الرسول اتباعاً مجرداً من كل إيحاء آخر، اتباع الطاعة الواثقة الراضية المستسلمة، ممن ينقلب على عقبيه اعتزازاً بنعرة جاهلية تتعلق بالجنس والقوم والأرض والتاريخ، أو تتلبس بها في خفايا المشاعر وحنايا الضمير، أي تلبس من قريب أو من بعيد.. حتى إذا استسلم المسلمون، واتجهوا إلى القبلة التي وجههم إليها الرسول- صلى الله عليه وسلم - وفي الوقت ذاته بدأ اليهود يتخذون من هذا الوضع حجة لهم، صدر الأمر الإلهي الكريم بالاتجاه إلى المسجد الحرام.
ولكنه ربط قلوب المسلمين بحقيقة أخرى بشأنه، هي حقيقة الإسلام، حقيقة أن هذا البيت بناه إبراهيم وإسماعيل ليكون خالصاً لله، وليكون تراثاً للأمة المسلمة التي نشأت تلبية لدعوة إبراهيم ربَه أن يبعث في بنيه رسولاً منهم بالإسلام، الذي كان عليه هو وبنوه وحفدته،.... {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: 124]". اهـ .
فتذكر واجبك نحو قبلتك الاولى وتذكر قدسية المكان وقدسية القضية التي صنعها طغاة الارض وشياطينها لتفريق جمع الامة بوضع الكيان الغاصب في قلبها ليفصل الامة عن البحر المتوسط الذي كان في يوم من الايام بحيرة اسلامية ، وليفصلوا قارة اسيا جغرافيا بهذا الكيان المسخ عن قارة افريقيا ، وليكون هذا الكيان خندقا متقدما للغرب في قلب بلاد الاسلام ، ليُشغلوا الامة ويبقوها في حالة فرقة واختلاف .. انهم الشياطين الذين يجتالونكم عن توحيد ربكم المقتضي توحيد وجهتكم وتوحيد كيان امتكم ...
فاستقبلوا القبلة اخي واختي وابني وبنتي وانتم تتفكرون في عظمة ربكم وعزته جل وعلا، و الذي اراد لكم العزة وحرم عليكم الذلة ، ونسال الله تعالى ان يقبلنا واياكم ويتقبل منا ويجعلنا من المفلحين الغالبين بدينه ملل الكفر والطغيان ، اللهم امين ..
والى لقاء جديد يجمعنا بكم استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2024-03-26, 2:35 am عدل 2 مرات