مشروع الدولة الواحدة (ثنائية القومية):
التكيف التدريجي مع الاحتلال، وتوطين إسرائيل، وشطب اسم فلسطين، والهروب إلى الأمام
عز الدين المناصرة
ملاحظة
ننشر الدراسة التالية للأستاذ عز الدين المناصرة لأهيمتها وأهمية القضية التي تعالجها، مؤكدين أنها تعبر عن رأي كاتبها وأننا في تحرير "كنعان" لا نتبنى بالضرورة ما جاء فيها.
هيئة تحرير "كنعان"
■ ■ ■
مشروع الدولة الواحدة (ثنائية القومية):
التكيف التدريجي مع الاحتلال، وتوطين إسرائيل، وشطب اسم فلسطين، والهروب إلى الأمام
***
عز الدين المناصرة
* * *
كما هو معلن، تأسست (دولة إسرائيل) الاستعمارية الاستيطانية العنصرية على (78%) من أرض فلسطين، بمساندة من الدول الاستعمارية، خصوصاً: بريطانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة، وبموافقة الاتحاد السوفياتي السابق، وحصلت هذه الدولة على اعتراف الأمم المتحدة، حسب قرار التقسيم (181) عام 1947. هذا القرار نفسه اعترف أيضاً بحق الفلسطينيين في إقامة دولة عربية إلى جانب دولة إسرائيل. وهكذا تمَّ تنفيذ نصف القرار، بينما رفضت إسرائيل تنفيذ أي قرار من قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين. إذن، كان قرار التقسيم والقرار (242)، هما الحلّ الذي فرضته الدول الاستعمارية على الشعب الفلسطيني، الذي كان يشعر بالظلم والقهر نتيجة هذين القرارين، إذْ كيف يوافق على ضياع وطنه!!. لهذا ظل يتطلع إلى الحلّ العادل الشامل، وهو تفكيك دولة إسرائيل، مع الاعتراف بأنَّ (الطائفة اليهودية الفلسطينية) التي كانت تشكل (7%) من أبناء الشعب الفلسطيني، هي جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني. وبطبيعة الحال، ليست مهمة (الضحية) أن تبحث عن حلول للمستعمر العنصري الذي اغتصب الأرض، وطرد السكان الأصليين. فالحل العادل، هو تفكيك هذه الدولة الاستعمارية، وعودة أبنائها إلى أوطانهم الأصلية، التي ما تزال قابلة للترحيب بعودتهم، بل هم يمارسون هذه العودة ممارسة واقعية إلى دول ما وراء البحار القريبة والبعيدة. أما اللاجئ الفلسطيني فهو يرى وطنه بالعين المجردة من مواقع جبل (أم قيس) الأردني، ومن (الغور)، ومن (جنوب لبنان)، ومن ( مدينة العقبة)، المقابلة لمدينة ( أم الرشراش) دون أن يستطيع أن يخطو خطوة واحدة باتجاه أرضه، حتى لو كانت خطوات رمزية، كما فعل أبناء اللاجئين في (15/5/2011)، حيث كان الرصاص الإسرائيلي لهم بالمرصاد، رغم أنهم كانوا يقودون مظاهرة سلمية. واستخدمت إسرائيل، أسلوب (الإبادة التدريجية) حين اقترفت عشرات المذابح ضد أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن والمنفى، متوهمة أنَّ أسلوب إبادة (الهنود الحمر) في أمريكا، يصلح للتطبيق ضد الشعب الفلسطيني. ومنذ عام 1967 توهم الإسرائيليون أنَّ القضاء على (الهوية الفلسطينية)، أصبح ممكناً، بسبب العجز والتواطؤ العربي. لكن مع صعود (منظمة التحرير الفلسطينية) استعاد الفلسطينيون هويتهم، وأصبحت فلسطين اسماً أساسياً في خارطة العالم، وذلك بفضل الشهداء والمناضلين، حين ألقى (ياسر عرفات)، خطبته الشهيرة عام 1974، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، (خطبة البندقية وغصن الزيتون). هذا التلازم بين (البندقية)، و(غصن الزيتون)، كان مستمداً من النموذج الفيتنامي (مقاومة – تفاوض)، وهذه المعادلة الثنائية هي التي حققت الانتصار الفيتنامي على أقوى دولة في العالم. وسبق لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1968 أن أعلنت مشروع (الدولة الفلسطينية الديمقراطية)، في ميثاقها على كامل التراب الفلسطيني، وفتحت نافذة لليهود (الذين يرغبون في العيش بسلام) في ظل حكم هذه الدولة لكي يكونوا مواطنين فيها. لكن هذه العبارة لم تحدد ولم تشر إلى (الإسرائيليين). وكان معنى ذلك تفكيك الدولة الإسرائيلية الصهيونية العنصرية الاستعمارية. لكن منذ عام 1988، قرر المجلس الوطني الفلسطيني الاعتراف بالقرار (242)، وقرار التقسيم (181)، عام 1947. أي أن المنظمة قررت الدخول في مرحلة التفاوض عارية تماماً من أية قوة مسلحة، باستثناء (ورقة الانتفاضة الأولى، ديسمبر 1987) في داخل فلسطين، حيث خشيت القيادة على نفسها من الانقراض في مقرها في (تونس) آنذاك، بعد الخروج من حصار بيروت 1982. وهكذا ارتكبت قيادة المنظمة (الخطأ الأول)، وهو الاعتراف بالقرار (242)، دون أي مقابل إسرائيلي. أما الوعود الأمريكية، فلم تتجاوز الوعد بإدخال المنظمة في التسوية بعد أن تحذف صفة (الإرهاب) عنها. وهكذا دخلت (مؤتمر مدريد) تحت المظلة الأردنية. ولكي تتخلص من المظلة الأردنية، لجأت إلى قناة (التفاوض السري)، التي أنتجت (اتفاق أوسلو، 1993)، أسوأ اتفاق في التاريخ الحديث، وهنا ارتكبت قيادة المنظمة (الخطيئة الثانية) الخطرة. وبالفعل كان اتفاق أوسلو كارثة على الشعب الفلسطيني، طيلة عشرين عاماً من (المفاوضات من أجل المفاوضات)، حيث وقع المفاوضون في (فخ التفاصيل الإسرائيلي)، وترعرع (الفساد، والانقسام) برعاية إسرائيلية: (جمهورية دايتون) في مقابل )إمارة الظلام) حسب تعابير الطرفين (حركة حماس، وحركة فتح) في تنابزهما بالألقاب. ووصلت حالة الشعب الفلسطيني المعيشية إلى (حالة التسول)، بالرضوخ لمساعدات الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، ومعونات بعض الدول النفطية المدروسة سياسياً. ومما لا شك فيه أنّ الفاعل الأصلي لهذه الحالة، هي إسرائيل، التي استغلت هذا الوضع لإقامة المستوطنات والطرق الالتفافية والجدران العنصرية في مساحة الـ (22%) من بقية فلسطين، وشنت حرباً ضد قطاع غزة. كل ذلك من نتائج اتفاق أوسلو المدمرة. كان الإسرائيليون يهدفون من توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، إلى جر شريحة قيادة المنظمة إلى (القفص)، وقد نجحوا في ذلك. وحين طالب الفلسطينيون بتطبيق (استحقاق الدولة)، لجأت إسرائيل إلى أسلوب المفاوضات العبثية. وكانت ذروة الفشل الأمريكي في كامب ديفيد، 2000، عندئذ انفجرت الانتفاضة الثانية، التي حققت (توازن الرعب) بدرجة محدودة، وبسبب الانقسام الفلسطيني حول (الكفاح المسلح)، واستغلال (شارون)، لفكرة (محاربة الإرهاب) الأمريكية بعد حادثة 11 سبتمبر 2001، ضعفت الانتفاضة تدريجياً. وتتوج الضعف بالصراع على السلطة، بعد فوز حركة حماس في انتخابات 2006. وهكذا، أصبح )التكيف مع الاحتلال)، أمراً واقعياً، سواءٌ في ظل مطلب (الدولة المستقلة)، أم في ظل الأطروحات النظرية حول فرضية (الدولة الواحدة)، وأصبح اتفاق أوسلو في مهب الريح.
- فرحنا في منتصف التسعينات، بظهور (الفضائيات)، التي تطرح موضوعات جريئة، على طريقة (دعه يتكلم كما يشاء، بل وينتقد طبقة السلطة وفسادها، لكن لا تدعه يفعل شيئاً عملياً نافعاً). وهنا ارتفعت أسهم (رعاع ثقافة التواصل الاجتماعي). وشاهدنا أمراً غريباً هو صدور (صحف وطنية وقومية، ملاحقها الثقافية تروّج للتطبيع المبطّن، ولثقافة فقاقيع الصابون الملوّن)، وكأن رؤساء التحرير الوطنيين والقوميين لا يكترثون لتناقض الأقسام الثقافية مع سياسات جرائدهم الوطنية). هل (الحداثة هي نقيض الوطنية). وهل يمكن أن (تمتدح إسرائيل الدولة العنصرية في صيف 1982)، بل و(تطالب بإبادة الشعب الفلسطيني)، مع هذا يصنفك (بنو قطرك المنغلق على ذاته)، بأنك (شاعر عظيم!!).
وفرحنا عندما بدأت عبارة (المجتمع المدني) في الانتشار، كذلك أصبح كل من يخالفك، تتهمه بأنه يندرج في إطار (نظرية المؤامرة)، وكأن (كذبة أسلحة الدمار الشامل في العراق، وكذبة استخدام الكيماوي في سوريا) – ليست مؤامرة محبوكة، يطلقون التصريحات المتناقضة، وحين قالوا: (إنها كذبة) – لم يتحرك أحد في الغرب كله ليوقف الدمار والقتل. وشاعت فكرة (الاستقواء بالأجنبي)، رداً على مقولة (الاستبداد)، وقلنا حسناً، نحن (ضدّ الأنظمة المستبدة، وضد الاستقواء بالأجنبي معاً)، لكنهم استمروا في الترويج لـ(عسكرة الليبرالية).
أما في (فلسطين)، فقد قلنا لهم أولاً، يفترض أن تتقنوا (لعبة التفاوض – المقاومة معاً) مثل الفيتناميين، لكنهم كانوا ينظرون إلى (الأنجزة بأموالها، والتنسيق الأمني)، مع أن المستوطنات الإسرائيلية تنمو كالسرطان تنهش في جسد الأرض الفلسطينية. وهكذا أصبح (الراتب هو الكتاب المقدّس). وشاع الفساد، وشاع (التسوّل). إذن: إذا لم نكن قادرين على إنجاز الدولة الفلسطينية المستقلة على (22%) من فلسطين التاريخية، فكيف ننتقل نحو ما يُسمى بـ(الدولة الواحدة)!!!.
التكيف التدريجي مع الاحتلال، وتوطين إسرائيل، وشطب اسم فلسطين، والهروب إلى الأمام
عز الدين المناصرة
ملاحظة
ننشر الدراسة التالية للأستاذ عز الدين المناصرة لأهيمتها وأهمية القضية التي تعالجها، مؤكدين أنها تعبر عن رأي كاتبها وأننا في تحرير "كنعان" لا نتبنى بالضرورة ما جاء فيها.
هيئة تحرير "كنعان"
■ ■ ■
مشروع الدولة الواحدة (ثنائية القومية):
التكيف التدريجي مع الاحتلال، وتوطين إسرائيل، وشطب اسم فلسطين، والهروب إلى الأمام
***
عز الدين المناصرة
* * *
كما هو معلن، تأسست (دولة إسرائيل) الاستعمارية الاستيطانية العنصرية على (78%) من أرض فلسطين، بمساندة من الدول الاستعمارية، خصوصاً: بريطانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة، وبموافقة الاتحاد السوفياتي السابق، وحصلت هذه الدولة على اعتراف الأمم المتحدة، حسب قرار التقسيم (181) عام 1947. هذا القرار نفسه اعترف أيضاً بحق الفلسطينيين في إقامة دولة عربية إلى جانب دولة إسرائيل. وهكذا تمَّ تنفيذ نصف القرار، بينما رفضت إسرائيل تنفيذ أي قرار من قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين. إذن، كان قرار التقسيم والقرار (242)، هما الحلّ الذي فرضته الدول الاستعمارية على الشعب الفلسطيني، الذي كان يشعر بالظلم والقهر نتيجة هذين القرارين، إذْ كيف يوافق على ضياع وطنه!!. لهذا ظل يتطلع إلى الحلّ العادل الشامل، وهو تفكيك دولة إسرائيل، مع الاعتراف بأنَّ (الطائفة اليهودية الفلسطينية) التي كانت تشكل (7%) من أبناء الشعب الفلسطيني، هي جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني. وبطبيعة الحال، ليست مهمة (الضحية) أن تبحث عن حلول للمستعمر العنصري الذي اغتصب الأرض، وطرد السكان الأصليين. فالحل العادل، هو تفكيك هذه الدولة الاستعمارية، وعودة أبنائها إلى أوطانهم الأصلية، التي ما تزال قابلة للترحيب بعودتهم، بل هم يمارسون هذه العودة ممارسة واقعية إلى دول ما وراء البحار القريبة والبعيدة. أما اللاجئ الفلسطيني فهو يرى وطنه بالعين المجردة من مواقع جبل (أم قيس) الأردني، ومن (الغور)، ومن (جنوب لبنان)، ومن ( مدينة العقبة)، المقابلة لمدينة ( أم الرشراش) دون أن يستطيع أن يخطو خطوة واحدة باتجاه أرضه، حتى لو كانت خطوات رمزية، كما فعل أبناء اللاجئين في (15/5/2011)، حيث كان الرصاص الإسرائيلي لهم بالمرصاد، رغم أنهم كانوا يقودون مظاهرة سلمية. واستخدمت إسرائيل، أسلوب (الإبادة التدريجية) حين اقترفت عشرات المذابح ضد أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن والمنفى، متوهمة أنَّ أسلوب إبادة (الهنود الحمر) في أمريكا، يصلح للتطبيق ضد الشعب الفلسطيني. ومنذ عام 1967 توهم الإسرائيليون أنَّ القضاء على (الهوية الفلسطينية)، أصبح ممكناً، بسبب العجز والتواطؤ العربي. لكن مع صعود (منظمة التحرير الفلسطينية) استعاد الفلسطينيون هويتهم، وأصبحت فلسطين اسماً أساسياً في خارطة العالم، وذلك بفضل الشهداء والمناضلين، حين ألقى (ياسر عرفات)، خطبته الشهيرة عام 1974، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، (خطبة البندقية وغصن الزيتون). هذا التلازم بين (البندقية)، و(غصن الزيتون)، كان مستمداً من النموذج الفيتنامي (مقاومة – تفاوض)، وهذه المعادلة الثنائية هي التي حققت الانتصار الفيتنامي على أقوى دولة في العالم. وسبق لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1968 أن أعلنت مشروع (الدولة الفلسطينية الديمقراطية)، في ميثاقها على كامل التراب الفلسطيني، وفتحت نافذة لليهود (الذين يرغبون في العيش بسلام) في ظل حكم هذه الدولة لكي يكونوا مواطنين فيها. لكن هذه العبارة لم تحدد ولم تشر إلى (الإسرائيليين). وكان معنى ذلك تفكيك الدولة الإسرائيلية الصهيونية العنصرية الاستعمارية. لكن منذ عام 1988، قرر المجلس الوطني الفلسطيني الاعتراف بالقرار (242)، وقرار التقسيم (181)، عام 1947. أي أن المنظمة قررت الدخول في مرحلة التفاوض عارية تماماً من أية قوة مسلحة، باستثناء (ورقة الانتفاضة الأولى، ديسمبر 1987) في داخل فلسطين، حيث خشيت القيادة على نفسها من الانقراض في مقرها في (تونس) آنذاك، بعد الخروج من حصار بيروت 1982. وهكذا ارتكبت قيادة المنظمة (الخطأ الأول)، وهو الاعتراف بالقرار (242)، دون أي مقابل إسرائيلي. أما الوعود الأمريكية، فلم تتجاوز الوعد بإدخال المنظمة في التسوية بعد أن تحذف صفة (الإرهاب) عنها. وهكذا دخلت (مؤتمر مدريد) تحت المظلة الأردنية. ولكي تتخلص من المظلة الأردنية، لجأت إلى قناة (التفاوض السري)، التي أنتجت (اتفاق أوسلو، 1993)، أسوأ اتفاق في التاريخ الحديث، وهنا ارتكبت قيادة المنظمة (الخطيئة الثانية) الخطرة. وبالفعل كان اتفاق أوسلو كارثة على الشعب الفلسطيني، طيلة عشرين عاماً من (المفاوضات من أجل المفاوضات)، حيث وقع المفاوضون في (فخ التفاصيل الإسرائيلي)، وترعرع (الفساد، والانقسام) برعاية إسرائيلية: (جمهورية دايتون) في مقابل )إمارة الظلام) حسب تعابير الطرفين (حركة حماس، وحركة فتح) في تنابزهما بالألقاب. ووصلت حالة الشعب الفلسطيني المعيشية إلى (حالة التسول)، بالرضوخ لمساعدات الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، ومعونات بعض الدول النفطية المدروسة سياسياً. ومما لا شك فيه أنّ الفاعل الأصلي لهذه الحالة، هي إسرائيل، التي استغلت هذا الوضع لإقامة المستوطنات والطرق الالتفافية والجدران العنصرية في مساحة الـ (22%) من بقية فلسطين، وشنت حرباً ضد قطاع غزة. كل ذلك من نتائج اتفاق أوسلو المدمرة. كان الإسرائيليون يهدفون من توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، إلى جر شريحة قيادة المنظمة إلى (القفص)، وقد نجحوا في ذلك. وحين طالب الفلسطينيون بتطبيق (استحقاق الدولة)، لجأت إسرائيل إلى أسلوب المفاوضات العبثية. وكانت ذروة الفشل الأمريكي في كامب ديفيد، 2000، عندئذ انفجرت الانتفاضة الثانية، التي حققت (توازن الرعب) بدرجة محدودة، وبسبب الانقسام الفلسطيني حول (الكفاح المسلح)، واستغلال (شارون)، لفكرة (محاربة الإرهاب) الأمريكية بعد حادثة 11 سبتمبر 2001، ضعفت الانتفاضة تدريجياً. وتتوج الضعف بالصراع على السلطة، بعد فوز حركة حماس في انتخابات 2006. وهكذا، أصبح )التكيف مع الاحتلال)، أمراً واقعياً، سواءٌ في ظل مطلب (الدولة المستقلة)، أم في ظل الأطروحات النظرية حول فرضية (الدولة الواحدة)، وأصبح اتفاق أوسلو في مهب الريح.
- فرحنا في منتصف التسعينات، بظهور (الفضائيات)، التي تطرح موضوعات جريئة، على طريقة (دعه يتكلم كما يشاء، بل وينتقد طبقة السلطة وفسادها، لكن لا تدعه يفعل شيئاً عملياً نافعاً). وهنا ارتفعت أسهم (رعاع ثقافة التواصل الاجتماعي). وشاهدنا أمراً غريباً هو صدور (صحف وطنية وقومية، ملاحقها الثقافية تروّج للتطبيع المبطّن، ولثقافة فقاقيع الصابون الملوّن)، وكأن رؤساء التحرير الوطنيين والقوميين لا يكترثون لتناقض الأقسام الثقافية مع سياسات جرائدهم الوطنية). هل (الحداثة هي نقيض الوطنية). وهل يمكن أن (تمتدح إسرائيل الدولة العنصرية في صيف 1982)، بل و(تطالب بإبادة الشعب الفلسطيني)، مع هذا يصنفك (بنو قطرك المنغلق على ذاته)، بأنك (شاعر عظيم!!).
وفرحنا عندما بدأت عبارة (المجتمع المدني) في الانتشار، كذلك أصبح كل من يخالفك، تتهمه بأنه يندرج في إطار (نظرية المؤامرة)، وكأن (كذبة أسلحة الدمار الشامل في العراق، وكذبة استخدام الكيماوي في سوريا) – ليست مؤامرة محبوكة، يطلقون التصريحات المتناقضة، وحين قالوا: (إنها كذبة) – لم يتحرك أحد في الغرب كله ليوقف الدمار والقتل. وشاعت فكرة (الاستقواء بالأجنبي)، رداً على مقولة (الاستبداد)، وقلنا حسناً، نحن (ضدّ الأنظمة المستبدة، وضد الاستقواء بالأجنبي معاً)، لكنهم استمروا في الترويج لـ(عسكرة الليبرالية).
أما في (فلسطين)، فقد قلنا لهم أولاً، يفترض أن تتقنوا (لعبة التفاوض – المقاومة معاً) مثل الفيتناميين، لكنهم كانوا ينظرون إلى (الأنجزة بأموالها، والتنسيق الأمني)، مع أن المستوطنات الإسرائيلية تنمو كالسرطان تنهش في جسد الأرض الفلسطينية. وهكذا أصبح (الراتب هو الكتاب المقدّس). وشاع الفساد، وشاع (التسوّل). إذن: إذا لم نكن قادرين على إنجاز الدولة الفلسطينية المستقلة على (22%) من فلسطين التاريخية، فكيف ننتقل نحو ما يُسمى بـ(الدولة الواحدة)!!!.