أولاً: يستبدل (رائف زريق)، حق تقرير المصير الفلسطيني، بما اسماه (الحلّ المُتاح!!)، وهو الدولة الواحدة (الإسرائيلية الفلسطينية)، فإذا كان (حل الدولتين) مستحيلاً، فكيف يكون حل الدولة الواحدة واقعياً. والصحيح أننا سنصبح بين (مستحيلين)، بحكم توسع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية (فلسطين الوسطى). عملياً: هناك دولة إسرائيلية محتلة لكامل فلسطين الانتدابية، وشعب تحت الاحتلال، داخل الخط الأخضر وخارجه. فالوصول إلى (الدولة الواحدة) يعني تفكيك دولة إسرائيل كدولة استعمارية استيطانية عنصرية، وليس تفكيك عنصريتها فقط، أي أن الضرورة تقتضي العودة إلى مشروع (الدولة الفلسطينية الديموقراطية) الذي هو الحل العادل، الذي يعترف بشرعية الطائفة اليهودية الفلسطينية (7%)، لكنه لا يعترف بالغزاة القادمين من روسيا وأوروبا، وأمريكا، لأنهم غزاة. إذن، هدف مشروع (الدولة الواحدة) عند أنصارها، هو (عفى االله عما مضى)، لأنَّ (دولة إسرائيل) أصبحت أمراً واقعاً، وهذا المقتل الأساسي لحل الدولة الواحدة.
ثانياً: الدولة الواحدة، فكرة طوباوية غير واقعية، أداة تحقيقها السلمية (الإقناع والحوار، حركة الحقوق المدنية) هذه الأساليب غير قادرة على تحقيقها، بل تجعلها مستحيلة التحقق، ما دامت هذه الأدوات (الكفاحية!!) لا ترقى حتى إلى تحرير مؤسسة واحدة. وقد استخدمتها وما تزال جماعة أوسلو (حل الدولتين) دون جدوى. ولم تستطع هذه الأساليب السلمية منع إسرائيل من قصف (مظاهرات سلمية) في قطاع غزة. كما لم تمنعها من قتل نشطاء عالميين في (أسطول الحرية). كما لم تمنعها مظاهرات نشطاء حق العودة على الحدود اللبنانية – السورية في (15/5/2011)، و(5/6/2011) من إطلاق النار على المظاهرات الرمزية السلمية، وقتل العشرات من الشباب غير المسلحين. بل لم تستطع كل (المظاهرات العالمية) ضد الحرب على غزة أنَّ تزحزح إسرائيل قيد أنملة عن قتل الأطفال وتدمير البيوت واغتيال المدنيين بوساطة الطائرات. فكيف يمكن (تحييد القوة العسكرية الإسرائيلية) بالمظاهرات والنشاطات السلمية، والاحتجاجات، والبيانات، و(الأنجزة)، وحركات الحقوق المدنية على أهمية النضال السلمي في حركة النضال الشاملة.
ثالثاً: يعتمد أنصار (الدولة الواحدة) على فكرة موت أوسلو، وفكرة عدم جدوى )الصراع حتى الموت) في مشروع الدولة الديمقراطية الفلسطينية، أي أنهم يقيمون ذرائعهم لطرح نظرية الدولة الواحدة على الفشل، وهي النقطة المركزية في دفاعاتهم عن نظرية افتراضية نرى ملامح مقتلها في مشروع أوسلو نفسه، لأنهم يقرون أن (التشابك الواقعي) في الضفة الغربية، بل داخل الخط الأخضر بين العرب واليهود، أعلن فشله، أليس هذا (الفشل) هو النموذج المصغر للفشل الأكبر في دولة افتراضية: هو (هروب إلى الأمام، وتكيف مع الاحتلال).
رابعاً: نظرياً لا يصون (فلسطين التاريخية) الموحدة سوى تفكيك دولة إسرائيل، وليس الدولة الافتراضية (الإسرائيلية الفلسطينية). أما بقاء المسألة الفلسطينية حية، فلا يتم بمجرد طرح حل افتراضي، يتسلّى به الفلسطينيون والإسرائيليون حتى لا تبقى سياسة الأمر الواقع في وضع (ستاتيكو). ما يحرك قضية فلسطين، ويبقيها حية، هو القوى الفاعلة المؤثرة في مجتمع مقاومة شاملة: عسكرية، وسلمية معاً. وما يحرك القضية، هو اقتناع الإسرائيليين نظرياً وعملياً، أن الفلسطينيين لن يتحولوا إلى (هنود حمر) لا في الوطن، ولا في الشتات. وهذا ما يتناقض مع طلب الشراكة وتوسلها أمام (السيد). وإذا كنا سوف ننتقل من (وضعية الاستشهاد) إلى مرتبة (العبد)، من أجل التحرر من (السيّد)، فهذا أمر لم يحدث في التاريخ، حتى العبيد، قاموا بحركات احتجاج وثورة وتمردات، حتى نالوا حريتهم بالدم والسلاح والاحتجاج، وليس بالتوسل والاحتجاج وحده. كم من الشهداء دفع السود في (جنوب افريقيا) من أجل تحررهم. هنا ينبغي إعادة قراءة تجربة جنوب افريقيا من جديد . لم تقم السلطة الفلسطينية، بسبب (براعة !!) المفاوضين الفلسطينيين في مدريد ونيويورك وباريس وأوسلو، بل العكس، لقد قامت بسبب الدفع التاريخي للثورة الفلسطينية المعاصرة، وبسبب الانتفاضة الأولى، وآلاف الشهداء، والجرحى، والأسرى، أما مدى (شطارة المفاوضين)، فهي مثار سخرية كاريكاتورية (مفاوضات من أجل المفاوضات!).