4- الحلقة الرابعة من سلسة الصيام عن ذل المعاصي قبل الصيام في شهر الصيام -4-
وجوب الصيام عن الذل والهوان !!
رفض دين الاسلام للمؤمن ان يذل الا لله تعالى ، ويتذلل لاخوانه المؤمنين ، بمعنى ان يعبد ربه وحده لا شريك له ، ولا يطيع احا الا في طاعة الله فقط ، واما تذلله للمؤمنين فهو بمعنى التراحم والتواضع والعطف، وليس بمعنى التذلل والانكسار على وجه الضعف والخور.
فحين يتواضع المسلم ويكون سهلا هينا لينا فهذا أمر ممدوح، يقول الله عز وجل : ( فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ) (54) سورة المائدة .وهذا المعنى الذي ورد ايضا في قوله تعالى :- (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29 الفتح). فالذل الممدوح للمؤمن ذل التعبد لله والتزام امره ونهيه وان خالف هوى النفس ومشتهاها، أما ما عدا ذلك فإنه مذموم ؛ لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين وهذا يعني ان عزتهم من عزة الله العزيز الذي لا يقبل للمؤمن الذلة والمهانة : ( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (-8-) ) (المنافقون: من الآية-8-) .
اما الذلة والمهانة فهي في معاصي الله تعالى . سواءََ بعدم التزام الامراوبعدم اجتناب امنهي عنه في النهي .. او ترك الاحكام الشرعية واستبدالها بامور من اجل المعيشة كيفما اتفق في الدنيا ومكاسبها، ...فقد قال -صلى الله عليه وسلم- مخبراعن حال الأمة حين تترك امر ربها الذي به انتصروا وهابتهم الامم، قال: "يوشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"، قال قائل: "ومن قلة نحن يومئذ؟"، قال: "بل إنكم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن"، قال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: "حبّ الدنيا وكراهية الموت" رواه الإمام أحمد وأبو داود.
نعم فإن من كانت الدنيا أكبر همه ومطلبه ومبتغاه فالاغلب أنه يهون عليه أن يريق ماء وجهه ويذل نفسه لينالها أو ينال شيئا من حطامها، ولو كان في ذلك المذلة والهوان له ولبنيه وذريته وامته ، ولهذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قو له: " إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر ،ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" رواه أبو داوود في " سننه " ، والإمام أحمد في " مسنده " . فالذل قرين التعلق بالدنيا والتعامل بالربا والمعاملات المحرمة والقعود عن الجهاد الذي هو ذروة سنام الاسلام ومن اعلى احكامه وتشريعاته . واعطانا العلاج منه في ختام الحديث ، حينما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في آخر الحديث : ( حتى ترجعوا إلى دينكم ) ، إنما يعني الدين المذكور في القرآن والمفصل في حديث الرسول - عليه الصلاة والسلام - الصحيح ، وهوالدين الذي قال الله - عز وجل - عنه : ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ ﴾ . [ آل عمران : 19 ] ، وقال : ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ . [ المائدة : 3 ] . و من ثم رفض للبشرية ان يكون لها دين غيره، فقال سبحانه :- ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ﴾[ آل عمران : 85 ].
نعم يا قوم ..إن حب البقاء في الدنيا والحرص على حياة، مع كراهية الموت يدعوهم إلى إعطاء الدَّنية في الدين، واحتمال الذلة والاهانة من العدو، ونسأل الله العافية ، فقد ابتليت به امتنا اليوم وكأننا نحن المعنيون بتلك الاحاديث .وقد قال الله تعالى مؤكدا لهذه المعاني :- (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى:30].
وقد كتب الله الذلة على أهل الكتاب وجعلهم دوما في حالة ضعف وذلة واستكانة وتفرُّق واختلاف؛ بسبب كفرهم وقتلهم الأنبياء وعصيانهم ومخالفتهم لاوامر الله تعالى ونواهيه فاخبر سبحانه عنهم : - (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ) [آل عمران:112].
وقد نُهيت أمة الإسلام أن تتشبه بأعدائها، ومن ذلك التفرق والاختلاف، وتضييع أمر الله، ورتكاب مخالفته وعدم الالتزام بامره ونهيه ونبذ الكتاب المنزل منه سبحانه وتعالى،و نُهينا عن الجزع عند المصائب والنكبات وأمرنا بالصبر والثبات ودوام التضرع والدعاء مع العمل لاصلاح الحال والاصلاح ، ففي ظل الفساد المستشري والضعف الهوان والظلم الذي يقع على الامة والذلة والصغار ، يجب ان يتذكر من أراد الله بهم خيرًا قول الله -عز وجل- (أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ) [التوبة:126] .
وكما اشرنا من قبل فقد جعل الله تعالى العزة له سبحانه، ولرسوله وللمؤمنين، وجعل الذل والصغار على من خالف نبيه صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في الحديث الشريف: - " بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم".
ولان المسلم يجب ان يكون دوما عزيزا لا يحتقر نفسه فلذلك قال صلى الله عليه وسلم : - (لا يَحقِرَنَّ أحَدُكم نَفْسَه أنْ يَرَى أمْرًا للهِ فيه مَقالٌ، فلا يَقولُ فيه، فيُقالُ له: ما منَعَكَ؟ فيقولُ: مَخافةُ النَّاسِ، فيقولُ: فإيَّايَ كُنتَ أحقَّ أنْ تَخافَ!) صححه شعيب الارناؤط .
نعم اخواني الاكارم ... ان الذل والحقارة والصغار والهوان يكون لمن خالف امر الله وامر رسوله فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز :- (وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ) [الحج: 18].
فصوموا ايها المسلمون قبل صيام رمضان عن اسباب الذل والهوان والصغار ، واصلحوا ما بينكم وبين ربكم ، وما بينكم وبين نبيكم قدوتكم واسوتكم الحسنة -صلى الله عليه واله وسلم - واصلحوا امركم باتباع كتاب الله وسنة رسوله ، واصلحوا احوالكم بمقتضى ذلك ....
اللهم نسالك العزة بدينك ونعوذ بك من الصغار، اللهم اكرمنا ولا تهنا ، اللهم لا تذلنا لاحد سواك
اللهم نسالك نصرك المؤزر لاهل بيت المقدس واكنافه ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2024-03-03, 10:52 pm عدل 1 مرات