13- الحلقة الثالثة عشرة من حلقات سلسلة اثر العبادة التربوي على النفس والسلوك
== هـ. - الذكر : - ذكر الشهادتين ---
اشهد ان لا اله الا الله - و - اشهد ان محمدا رسول الله
بهاتين الشهادتين انت دخلت بوابة الاسلام ، و ولجت كهف الايمان ، فان علمت يقينا ان لا اله خالق من العدم واهب للحياة مدبر لامرها الا الله ، وعلمت وتيقنت ان محمدا رسول الله ارسله الله ليخرجنا بني ادم من ظلمات الجهل بالله ومراده من خلقه وعباده،ومن ظلمات جاهلية اتباع الاهواء المضلة عن الحق والتقليد لأهل الزيغ والضلال ،والاستعباد للبشر والاستكبار في الارض ، الى نور الهداية ومعرفة مراد الحق من الخلق بنور الوحي المنزل على نبيه ورسوله ، فقد خرجت من دائرة الظلمات الى دائرة ابصار النور ،فتتبع خطاه وسر على هداه فلن تضل ولا تشقى.
ان الشهادة الاولى مكونة من شقين ، الاول النفي ، المفيد السلب للألوهية عن كل من يتنمرد او يتفرعن ويتأله، وعن كل ما يزعمون ويصورون انه تجسيم او تجسيد للآله ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ..
وفي الشق الثاني الاثبات، و الذي يوجب في حق الله تعالى الوحدانية والتفرد بالألوهية،المقتضية للتدبير والربوبية .. اي تدبير امر الخلق بعد ان اخرجهم من العدم الى الوجود بما يلزم لصلاح استمرارهم في هذا الوجود ،فالكون باجرامه ونجومه وفراغاته وكواكبه واقمارها، ومجراته وشموسه ،مادة صماء لاحياة فيها و لا عقل لها تعقل به ،و بالتالي لا ارادة عندها ولا ادراك لتحسن التصرف و تدبر امرها ، فالزمها سننا كونية ونواميس وجودية تحفظ وتكفل ديمومة استمراريتها للوعد المحتوم ... فهي مسخرة لما خُلقت له على وجه الالزام والجبر ...
اما الكائنات الحية في الوجود فهي - الملائكة وهم اجساد نورانية تعقل وتسمع وتعلم ومجبولة على طاعة ربها على وجه الجبر والالزام، فلا يعرفون العصيان او الخطأ والزلل ، قال الله تعالى مخبرا عنهم :- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6- التحريم). و قد ذكر القرآن الكريم من صفاتهم الخَلقية أنَّ للملائكة أجنحة. قال تعالى : {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (1) سورة فاطر) . وقد وهب الله سبحانه وتعالى ملائكته القدرة على التمثل والتشكل بصور البشر. فقال عن جبريل عليه السلام في قصة مريم العذراء : - { فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} (17) سورة مريم،وقال في قصة ضيف إبراهيم من الملائكة عليهم السلام الذين جآءوه على صورة بشر {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} (24 ) سورة الذاريات) . فهم رسل ربك الى رسله ينزلون عليهم بالوحي الذي تستقيم به حياة الانسان الدنيا - دار التكاليف والعمل - قبل ان ينتقل ويرتحل الى الدار الاخرة - دار الحساب والجزاء - الذي حدده الانسان في دنياه ..
وتتمتع بالحياة التي من مظاهرها الحركة والنمو والتكاثر ، مع الانسان في عالم الشهادة البهائم والانعام ،
والتي لها ادراك بواسطة الرجع الغريزي الذي لا يرقى الى ان يسمى عقلا الا من باب المجاز ، فلذلك سميت بهائم لانها لاتعقل، وسميت عجماوات لانها لا تملك لسانا متحدثا ، بل هي تملك قدرة النطق باصوات مخرجها من الجوف، تستعملها للتواصل فيما بينها، وليس نطقها من اللسان كالانسان المكرم باللسان والعقل و القدرة على الاختيار على العالمين...
فلذلك لم يكن للحيوانات شرع ولا هدي سوى هدي الفطرة والغريزة التي تحفظ نموها وتكاثرها وتضمن الحفاظ على انواعها ، وقد سخرها الله للانسان يدجنها ويروضها كيفما يشاء .
ومن تمام نعمة الله على الانسان ان هداه الله النجدين ،فاما شاكرا لربه متبعا هديه المنزل على رسول من جنسهم مؤيد بالبينات والايات، واما كفورا متبعا اما لهوى نفسه او هوى غيره فيعيش حياة النشاز التي يملؤها الضنك والتعاسة والعياذ بالله .
ولان الاختيار والخيار الذي اكرم الله به الانسان وجعله صاحب عقل يميز بين الخير والشر ،و لان العقل وحده لا يكفيه للهداية لمنهج الحق الرباني الذي به فقط يصلح عيش الانسان ، وخذ الاغريق ومناهج فلسفتهم التي ضلوا بها واضلوا مثلا، وبقيت مناهجهم الوثنية المفلسفة لليوم مناهج ضلال واضلال للعالمين.
لذلك فقد ارسل الله الرسل لهداية الانسان ، ومساعدة العقل لاختيار سلوك جادة الحق والهدى والنور ، وتصويب مسار طريق تفكيره .
ومن هنا جائت اهمية الشهادة الثانية :- اشهد ان محمدا رسول الله ، اي اعترف عن قناعة ودراية انني بحاجة للرسول ليدلني على منهج الهداية الذي يرتضيه الله فكان محمد صلى الله عليه وسلم بما معه من ايات بينات خالدات صادق في دعواه للنبوة والرسالة وان ما جاء به لا يخالف الفطرة ولا يصطدم بالواقع ولا ينافي العقل، فكان حقا لزوم اتباعه بالطريقة التي طبقها محمد صلى الله عليه وسلم وانتهجها صحبه الكرام عليه واله وعليهم افضل الصلاة والسلام ... قال تعالى :- (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)الاحزاب)، وأسوة حسنة هنا تعني الاتباع والتأسي والاقتداء، متبعا منهاجا تفاعليا مع مسيرة الدعوة والتي سجلتها السيرة النبوية المشرفة، لانها منهجه في تطبيق الوحي المنزل، فلذلك قيل كان خلق النبي القران ، وقيل ايضا عنه انه كان قرآنا يمشي على الارض، فوجب على اتباعه ان يتأسوا ويقتدوا به في كل امرهم .
وبالشهادتين تُبنى العقلية الاسلامية فتكون اساس الفكر وقاعدته التي ينبثق منها، و كذلك بها تُبنى النفسية الاسلامية المنقادة بالاستسلام لشرع ربها و رفضها لغيره وكل ما سواه، لان ما شرع ربنا هو الحق ، وما عداه هو الباطل :- (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) (18الانبياء) ..ونقرأ في هذا المعنى قوله عز وجل: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } (النساء:65) .
اللهم اعزنا بديننا وعقيدتنا وانصر الاسلام واهله وادحر الكفر واهله واعز اهلنا في بيت المقدس واكنافه بنصرك المؤزر وثبتهم يا رب العالمين ويا ناصر المستضعفين ....
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....- يتبع ان شاء الله ....
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2024-03-22, 3:07 am عدل 1 مرات